المرأة في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله { الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين } ، ثم استوى عنده الخلق فلا يتميزون إلا بالتقى والدين ، ولكنه فرق بينهم في بعض ما اقتضته حكمته فقال : { وليس الذكر كالأنثى }، كما قد قال : { لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } ، فسبحان من أحسن الصنع وأتقنه بحكمة بالغة تعجز عنها الأذهان والعقول، وتنبهر بحسنها وإتقانها قلوب الفحول .
وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، بالهدى والخير العميم ؛ آمين .
أما بعد ؛
فمن تأمل حال المرأة منذ عصر ما قبل الإسلام حتى الآن عند غير المسلمين ؛ وجده قد مرَّ بمرحلتين متضادتين ؛ تفريط وتقصير ، ثم إفراط وغلو .
ففي المرحلة الأولى ؛ وهي مرحلة التفريط والتقصير في حقوق المرأة ، كانت المرأة مخلوقاً مهاناً مظلوماً ، تعامل معاملة أخس متاع البيت ، تخدم الزوج ، وتوفر له ما يحتاجه ، ويأخذ منها ما يريد من متعه ،بل قد يشترك في المرأة الواحدة مجموعة من الإخوان يأخذ كل منها ما يريد بلا قيد ، بينما لا تعطى من حقوقها شيئاً ، ثم يرثها أكبر أبناء زوجها من غيرها كما يرث الولد متاع أبيه ، ويحجر عليها أن تتزوج ، وتبقى في البيت حتى تموت ، هذا عداك عما تتعرض له من ضرب وإهانة ودفن وحرق بعد موت زوجها ، وغير ذلك .
ثم لما رأى الكفرة هذا الحال ، وهو حال يأباه كل منصف في رأسه مُسكَة عقل ؛ لما رأوا ذلك حاولوا أن يتخلّصوا من هذا الحال فانتقلوا إلى :
المرحلة الثانية : وهي مرحلة الإفراط والغلو التي يعيشها الغرب الكافر وغيرهم من أتباع ، أو مقلدين يرونهم بلغوا مبلغاً من الرقي والتقدم .
في هذه الفترة حاول الغرب ومن سار على نهجهم أن يخلِّصوا المرأة مما وقع عليها من ظلم وضيم واضطهاد ، وكما هي عادة من لا تضبطه ضوابط شرعية من البشر ؛ إذا نفر عن أمر اتخذ الجانب المعاكس لما نفر عنه ؛ فقد اتخذوا الجانب المضاد تماماً ، فأقبلوا على المرأة يعطونها ما هبَّ ودبَّ من الحقوق ؛ ولو كانت هذه الحقوق المزعومة تؤدّي إلى أعظم المفاسد ؛ لا ينظرون إليها ، فإنها ردة الفعل العكسية .
سمحوا للمرأة أن تخرج من بيتها وشجعوها على ذلك سواء كانت بحاجة لهذا الخروج أو لا ، فتحوا لها مجال العمل فيما يناسبها وما لا يناسبها ، قلّدوها مناصب لا تناسب رقتها ولطفها وضعفها التي صنعت عليه ، أشركوها في الجيش كما يشرك الرجال وجعلوها مقاتلة ؛ حتى فقدت كل ما تملك من أنوثة فلا هي امرأة كما خلقت ولا هي رجل كما أرادوها ؛ فصرن أشباه الرجال .
أما دين الإسلام فإنه وسط بين الحالتين ؛ أخرج المرأة من الظلم والهوان والعدوان عليها ، وأعطاها حقوقها كاملة لم يظلمها شيئاً منها ، وحدد لها بعد هذا ما عليها من واجبات تليق بما فطرت عليه ، من غير إفراط ولا تفريط ، ولا غلو ولا تقصير .
فأعطاها الإسلام من الميراث بعد أن كانت محرومة منه ، بل كانت جزء منه ، فقال ربنا في كتابه : {وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً } [ النساء : 11] .
ورفع منزلة الأم وجعلها أحق الناس ببر ولدها ، كما قرن برّها بالأمر بإفراد الله
– عز وجل – بالعبادة ، ومنع من مجرد التأفف في وجهها فقال . { فلا تقل لهما أفِ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً } [ الإسراء :23 -24 ] .وأعطى الزوجة حقها ورفع الظلم عنها ، وأمر بإحسان معاملتها وإكرامها والصبر عليها ، فقال الله { وعاشروهن بالمعروف } [ النساء : 19] ، وقال عليه السلام : " استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم " ، وقال : " خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي".
وأعطى المرأة حق البيع والشراء والملك والهبة والإعارة والتصرف في مالها ، ونهى عن وأد البنات ، قال تعالى { وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت } [ التكوير : 8] .
وبالجملة فقد أعطاها الإسلام حريتها كاملة ، وساوى بينها وبين الرجل في كثير من الأمور ، ولم يفرق بينهما إلا فيما لا بد منه ، كما بيناه في فقرة المساواة .
وقد أورد بعض أهل الكفر إشكالات حول حقوق المرأة في الإسلام ؛ منها :
1- المساواة بين الرجل والمرأة : وقد أجبنا عن هذه المسألة في فقرة المساواة بما فيه كفاية ، لمن أراد الله له الهداية .
2- سيادة الرجل في البيت : أقول باختصار ؛ لا يخفى على عاقل أن كل بلد أو مؤسسة أو شركة ؛ لا بدّ لها من مدير يديرها ، وكذلك البيت ؛ فأي عمل جماعي يحتاج إلى تنظيم وإدارة ؛ وإلا كان مآله الفشل ، وهذا أمر لا يحتاج إلى استدلال عليه ، فهو واضح كعين الشمس ؛ فإذا كان كذلك ، فلا بدّ أن يكون مدير البيت إما الرجل أو المرأة ، فهما أول من يؤسس البيت ، وإذا كان لا بدّ من اختيار أحدهما ؛ فلا بد من النظر إلى أوصافهما ، كما نفعل في المؤسسات والشركات والدوائر، عند اختيار المدير المناسب لها ، فمن تحلّى بالصفات الأكمل والأنسب ؛ كان أولى من غيره بالإدارة ، فإذا كنت أنت الذي سيختار المدير ؛ فهل تختار لإدارة شركتك أو بلدك الأقوى أم الأضعف ؛ الأكثر تحكماً في عقله وأعصابه أم الأقل ، الأكثر تفرُّغاً لهذا الشأن أم المشغول ، تختار الذي يدفع ماله لإقامة الشركة وتحسين وضعها والعناية بها أم الذي لا يفعل شيئاً من ذلك ؟! .
إذا نظرت بعين الإنصاف والعدل ، وإلى مصلحة بلدك أو شركتك ؛ اخترت الأول ولا بدّ ، وصفات هذا الأول هي تلك الصفات التي تميّز بها الرجل على المرأة ؛ فإن الرجل أقوى من المرأة في بنيته وتركيبة جسده ، وهو أكثر تحكُّماً في عواطفه أمام المسائل التي يتعارض فيها العقل مع العاطفة ، وكذلك هو أكثر صبراً وتحمُّلاً للأزمات التي تمرُّ به ، وهو أكثر تفرُّغاً لهذا الشأن من المرأة ، فهو لا يحمل ولا يلد ، وهذا يأخذ من المرأة الوقت الطويل ، والجهد الكثير ، والرجل هو الذي يدفع ماله لإقامة البيت والإنفاق عليه. وهذه أمور واضحة لا تحتاج لأكثر من ذلك لبيانها ، ولكنها بحاجة إلى التخلُّص من هوى النفس والمكابرة على الحقائق .
3- العلم : اعلم أن الإسلام لم يمنع المرأة من التعلم ؛ بل حثّها عليه ورغّبها فيه؛ بل أوجبه عليها في بعض الأحيان ، والمرأة في ذلك كالرجل ، لافرق بينهما في هذه المسألة ومن ادّعى غير ذلك فعليه بالدليل ،هذا القرآن وهذه السنة النبويّة الصحيحة بين يديه ؛ فليرنا ذلك منها !!
4- العمل : الإسلام لم يمنع المرأة من العمل ؛ بل أوجبه عليها ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها " . فيجب عليها أن تقوم على شأن بيتها وأطفالها خير قيام دون أدنى تقصير ؛ ثم بعد ذلك إن بقي لها وقت ؛ جاز لها أن تخرج وتعمل خارج البيت مرتدية حجابها الشرعي ، بعيدة عن مخالطة الرجال ، ولم يجز لها أن تضيِّع بيتها ، كي تعمل خارجه ، كما يحصل عند الغرب وأتباعهم ، فتكون الضحيّة الأولى من وراء هذا الفعل هم الأولاد .
أخرج مسلم في " صحيحه " (1483) عن جابر بن عبد الله أنه قال : طلِّقت خالتي فأرادت أن تجدَّ نخلها ؛ فزجرها رجل أن تخرج ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " بلى ، فجدِّي نخلك ؛ فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفاً " .
5- الحجاب :إن الذي خلق الأرض والسماوات ، والبشر والحيوانات ، وجميع الكائنات ، هو الذي يعلم ما يُصلح وما لا يُصلح هذه المخلوقات من الأحكام والتشريعات . وهو الذي خلق الرجل وجعل فيه شهوة وميلاً للمرأة ؛ إبقاءً للنسل والجنس البشري ، وهو الذي جبل الناس على الحياة الأسريّة التي تحافظ على الذرّية وتقوم على رعايتها وتوفير ما يحتاجون إليه من العطف والرحمة وتوفير الطعام والشراب والعلاج وتعليمهم ما يحتاجون إليه من علوم ، والقيام على جميع شؤونهم ؛ ولولا ذلك لما استقامت الحياة ، ولا تطوّر البشر .
ولا يخفى على كل ذي لب ؛ أن من أعظم مفاسد الزنا كثرة أولاده ، وولد الزنا في الغالب لا يتعرّف عليه أبوه ؛ بل وأمه في أحيانٍ كثيرة ، مما يؤدي إلى ضياع أكثر حقوق هذا الولد في هذه الدنيا ، ومهما حرصت الدولة على أن توفر لهم حقوقهم ؛ فلن تستطيع أن تحلًّ محلًّ الوالدين ، وهذا مع أن الكثير من الدول لاتستطيع ذلك لفقرها ؛ والتي تستطيع يكون هؤلاء الأولاد حملاً ثقيلاً عليها . ولقد سمعنا ببعض الدول الغربية تضجُّ من كثرة هؤلاء الأولاد عندها ؛ بل وبعض الدول العربية الإسلامية
– للأسف - .فوجود هؤلاء الأولاد مفسدة عظيمة عليهم وعلى الدول التي يوجدون فيها .
لأجل ذلك حرّم الله الزنا ؛ ولكن للزنا أسباب قوية تدعو إليه وتحث عليه ، فإن تركت ولم تغلق أبوابها ؛ لم يستطع الرجال أن يمسكوا أنفسهم عن النساء ؛ فتقع البليّة . ومن أقوى هذه الأسباب ظهور مفاتن المرأة على الرجل ؛ فمن هنا شِرِع الحجاب ؛ لإغلاق هذا الباب وكبح جماح الشهوة عند الرجل . فبذلك يتقرر أن الشرع أعطى المرأة حقوقها كاملة ، إلا إذا كان هذا الحق سيؤدي إلى مفسدة كبيرة ؛ فهنا دَرْء المفسدة مقدّم على جَلْبِ المصلحة في شرعنا الحكيم ، وعند كل ذي عقل سليم . ولا ينتهي عجبي من الغرب وأذنابهم الذين يدندنون حول تحديد النسل من أجل المحافظة على اقتصاد البلاد ، ويبيحون الزنا ومقدماته من التبرّج والسفور الذي يؤدي إلى كثرة أولاد الزنا ، يفرحون بالفساد ، ويعطِّلون الصلاح ، فالله المستعان على هذه العقول المنكوسة .
6- تعدد الزوجات : كما ذكرنا قبل قليل ؛ الله الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم . والجميع يعلم أن عدد النساء على وجه الأرض أكثر من عدد الرجال بكثير ، ولو لم يّبَح للرجال أن يتزوجوا إلا امرأة واحدة لأدّى ذلك إلى وجود جمع كبير من النساء لا رجال لهن ، وهذا يؤدي إلى مفاسد كبيرة نعيشها نحن اليوم لا داعي للإطالة في ذكرها ، وبإباحة التعدد تُحلُّ هذه المشكلة وتزول المفسدة . أضف إلى ذلك أن المرأة تطرأ عليها حالات لا يستطيع الرجل أن يقضي حاجته منها ؛ كالمرض والحيض والنفاس ، فشرع الله له الزواج من أكثر من واحدة كي لا يلجأ إلى الزنا الذي علمنا مفسدته فيما تقدم.
والله الموفق .