[الدرس السادس]
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أمّا بعد :
فهذا المجلس السّادس من مجالس شرح لمعة الاعتقاد للإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: فصل كلام الله تعالى
كما ذكرنا في المجلس الماضي ، هذه الصّفة لله تبارك وتعالى من أعظم الصفات التي نازع فيها أهل البدع والضّلال أهل السنّة والجماعة، بل قيل: إنّ المتكلّمين لم يسمّوا بهذا الاسم إلا نسبة لهذه الصفة (صفة الكلام)، أهل السنّة والجماعة يثبتون لله تبارك وتعالى كلاماً حقيقيّاً يليق بجلاله وعظمته، يتكلّم سبحانه بحرفٍ وصوت، كلاماً حقيقياً بحرفٍ وصوت على مقتضى الأدلّة التي جاءت في كتاب الله وفي سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهي كثيرة واضحة صريحة محكمة، فلا يجوز الخروج عنها ولا القول بقولٍ يخالف ما دلّت عليه، خالف في ذلك الجهميّة والأشاعرة، فالجهميّة أتباع الجهم بن صفوان يَنفون عن الله تبارك وتعالى صفة الكلام ولا يثبتونها له، يقولون: يخلق كلاماً ثمّ يُسمعه من شاء من عباده .
الأشاعرة يثبتون كلاماً ولكن كلام نفسي وليس كلاماً بحرفٍ وصوت، ليس كلاماً حقيقيّاً الذي أراده الله سبحانه وتعالى في كتابه .
قال المصنف رحمه الله: "ومن صفات الله تعالى" أي ممّا يتّصف به الله سبحانه وتعالى ومن الصفات التي نثبتها لله تبارك وتعالى لثبوتها في الكتاب والسنّة صفة الكلام .
قال:"ومن صفات الله تعالى أنّه متكلم بكلام قديم" كلام الله كما ذكرنا كلام حقيقيّ بحرفٍ وصوت وسيأتي دليل الحرف والصّوت وهو قديم النوع حادثُ الآحاد، ماذا نعني بهذه الجملة ؟ قديم النّوع: أي أصل الصفة أزلية قديمة لم يأتِ وقت من الأوقات ليست موجودة ثمّ وُجدت، لا، هي موجودة من الأزل، صفة ذاتية فعلية أيضاً، فهي من حيث أصل الصفة هي أزلية أما بالنظر إلى آحاد هذه الصفة فهنا تكون حادثة، أي أن الكلام الذي يتكلم الله تبارك وتعالى به ككلامه لموسى عليه السلام يوم أن كلّمه الله تبارك وتعالى، هذا الكلام الذي كلّم الله به موسى، قبل أن يكلّم الله موسى ما كان موجوداً ثمّ وُجد بعد أن كلّمه الله سبحانه وتعالى فهذا الكلام يسمّى آحاد لصفة الكلام.
هذا معنى قديم النوع حادث الآحاد .
فمعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بكلام، يتكلم به متى شاء وكيف شاء سبحانه .
قال المؤلف رحمه الله:"أنه متكلم بكلام قديم، يسمعه منه مَن شاء مِن خلقه" يسمعه من الله تبارك وتعالى مَن شاء الله مِن خلقه، فالله سبحانه وتعالى يُسمعه لمن يشاء كما أسمعه لموسى وكما أسمعه لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم، "سمعه موسى عليه السلام منه من غير واسطة" ، أي مباشرة، "وسمعه جبريل عليه السلام ومَن أَذِن له من ملائكته ورسله"
قال: "وأنّه سبحانه يكلّم المؤمنين في الآخرة ويكلّمونه"، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة،
"ويأذن لهم فيزورونه"، ورد في ذلك حديث ضعيف، "قال الله تعالى { وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }" (وكلّم الله موسى)، الله هو المتكلّم ، (وكلّم) فعل، و(الله) هو الفاعل هو المتكلّم، و(موسى) هو السّامع، و(تكليماً) مصدر مؤكّد يؤكّد الحقيقة وينفي المجاز كما قال أهل العلم ، فالتأكيد ينفي المجاز، لم يعد عندك مجال للشكّ أهو كلام حقيقيّ أو مجازي؟، أكّد قال لك: وكلّم الله موسى تأكيداً، فأشكلت هذه الآية على بعض المحرّفين فما وجد فيها حيلة مع نفيه لصفة الكلام، وكما قلنا هم لا يعظّمون كتاب الله ولا سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لا يأخذون عقائدهم من هناك، عقائدهم يقررونها بعقولهم، فلمّا أشكلت عليه هذه الآية ماذا فعل ؟ حرّفها وأراد أن يقرأها، قال: (وكلّم اللهَ-بفتح الهاء- موسى) ماذا تصبح هنا ؟ جعل الله هو السّامع وموسى هو المتكلّم ،
هذه البدع وما تجرّ أصحابها إليه، وكما قال بعض السّلف: البدعة بريد الكفر توصلك إليه.
"وقال سبحانه{ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي }"
( يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس) أي اخترتك من بينهم، (برسالاتي) فأرسلتك إلى خلقي الذين أرسلتك إليهم، (وبكلامي) لك من غير واسطة، فاصطفيتك على النّاس بذلك، ففيه إثبات كلام الله تبارك وتعالى لموسى وأنّ الله اصطفاه بذلك.
"وقال سبحانه { مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ }" أي من الرّسل مَن كلّمه الله وهو موسى ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم .
"وقال سبحانه { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ }" أي إمّا أن يكلّمه الله سبحانه وتعالى من غير واسطة ولكن من وراء حجاب، أو يُعلمه إعلاماً خفيّاً سريعاً،
الشّاهد أنّ من البشر مَن يكلّمه الله سبحانه وتعالى .
"وقال سبحانه { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى* إِنِّي أَنَا رَبُّكَ }" نودي يا موسى: أي ناداه ربّ العزّة تبارك وتعالى، وإلا فمن ذا الذي سيقول: (إنّي أنا ربّك) ؟ هو الله سبحانه وتعالى،
والنّداء لا يكون إلا بصوت، النّداء لا يكون إلا بصوت، وهذا دليل على أنّ كلام الله بصوت .
"وقال سبحانه { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي }"
قال المؤلف:" وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله" من ذا الذي سيقول مثل هذا: (إنّني أنا الله لا إله إلا انا فاعبدني) ؟ هذا ردّ على الذين يقولون بأنّ القرآن مخلوق، مَن هذا المخلوق الذي سيقول: (إنّني أنا الله لا إله إلا أنا) ؟
قال المؤلف رحمه الله:" وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه" وهو الصّحابيّ المعروف :"إذا تكلّم الله بالوحي سمع صوته أهل السّماء، روي ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم"، الشّاهد فيه قوله: (سمع صوته)، إثبات الصّوت لله سبحانه وتعالى، فالله يتكلّم بصوت، هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن حبّان وغيرهم بلفظ:" إنّ الله إذا تكلّم بالوحي سمع أهل السّماوات للسماء صلصلة كجرّ السّلسلة على الصفا - أي على الصخر - فيُصعقون فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم فُزّع عن قلوبهم فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربّك ؟ يقول: الحقّ، فينادون: الحق الحق" وهو صحيح وأخرجه البخاري موقوفاً بلفظ "سمع أهل السّموات شيئاً" وأمّا كلمة "سمع صوته أهل السّماء" فهو نفس الحديث لكن بلفظ آخر احتجّ به الإمام أحمد على إثبات الصّوت، أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنّة بإسناده وأخرجه ابن بطّة في الإبانة الكبرى وغيرهما وكما ذكرنا احتجّ به الإمام أحمد رحمه الله، وقال السجزي : رجاله أئمّة محتجّ بهم.
"وروى عبد الله بن أُنيس عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:" يحشر الله الخلائق يوم القيامة عراة حفاة غرلا بُهما ، فيناديهم بصوت يسمعه مَن بَعُد كما يسمعه من قَرُب، أنا الملك، أنا الديّان"، أين الشّاهد ؟ قوله: (فيناديهم بصوت)، تأكيد وإلا النّداء أصلاً يكون بصوت، فهنا تأكيد إلى أن النّداء يكون بصوت، لكن أراد أن يقول بأنّه الصّوت هذا يسمعه مَنْ بَعُد كما يسمعه مَنْ قَرُب، لا فرق ما بين البعيد والقريب في سماع هذا الصّوت .
هذا الحديث، حديث عبد الله بن أنيّس حديث حسن علّقه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه ووصله الإمام أحمد وغيره، وهو حسن،
وفيه إثبات صفة الصوت لله تبارك وتعالى، إثبات صفة الكلام بصوت وحرف لله تبارك وتعالى.
ثمّ قال المؤلف رحمه الله:" وفي بعض الآثار أنّ موسى عليه السلام ليلةً رأى النّار فهالته ففزع منها، فناداه ربّه : يا موسى، فأجاب سريعاً استئناساً بالصّوت، فقال : لبّيك لبّيك، أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت ؟ فقال: أنا فوقك، وأمامك، وعن يمينك، وعن شمالك، فعلم أنّ هذه الصّفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال : كذلك أنت يا إلهي أفكلامك أسمع أم كلام رسولك ؟ قال : بل كلامي يا موسى"، كلّه فيه الكلام والتنصيص على الصوت أيضاً، لكن هذا الأثر يرويه وهْب بن منبّه وهو معروف برواية الإسرائليات، فهذا الأثر من الإسرائليات، والإسرائليات كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:"حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وقال:"لا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم"، فهذا الأثر لا ندري عن ثبوته بإسناد صحيح، فلذلك هو خبر كما ذكرنا من أخبار بني إسرائيل فلا نصدّقها ولا نكذّبها، لكن ما ورد فيه من إثبات صفة الكلام وبالصّوت أغنت عنه الأدلّة التي تقدّمت، والأثر أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزّهد عن وهب بن منبّه فهو ضعيف لكن الظّاهر أنّ المؤلف رحمه الله ذكره استئناساً من باب تكثير الأدلّة فقط وإلا ما ذكر من أدلّة كافٍ في إثبات هذه الصّفة.
أمّا المخالفون لأهل السنّة في صفة الكلام فكما قدّمنا، منهم الجهميّة قالوا: ليس الكلام من صفات الله تبارك وتعالى وإنّما هو خلق من مخلوقات الله، يخلقه في الهواء أو في المحلّ الذي يُسمع منه ويضاف إلى الله سبحانه وتعالى إضافة تشريف كما تقول في البيت: بيت الله، أو في النّاقة: ناقة الله سبحانه وتعالى، هذا قولهم وهو قول باطل، إضافة التّشريف هذه لا تُحمل إلا على شيء يقوم بذاته كالكعبة، وكالناقة، أمّا شيء هو وصف لا يقوم بذاته إذا أضافه الله سبحانه وتعالى لنفسه فيكون صفة من صفاته، وهُم نفوا هذه الصفة قالوا: لأنّ الكلام لا يكون إلا للأجسام (..) وإذا أثبتنا الكلام لله سبحانه وتعالى نكون قد شبّهناه بالمخلوقات، وهذا كلام باطل ، هذا ما استدل به وسيأتي كلام الأشاعرة لهم استدلال آخر فهذا الكلام باطل، وقلنا بأنّ كلام الله سبحانه وتعالى كلام يليق بجلاله وعظمته لا يشبه كلام المخلوقين كما قلنا في الذات وكما قلنا في الوجود وكما قلنا في بقيّة الصفات، وأمّا الفرقة الثانية التي خالفت أهل السنّة والجماعة في مسألة الكلام فهم الأشاعرة، أثبتوا كلاماً لله تبارك وتعالى ولكنّه ليس كلاماً حقيقيّاً بحرفٍ وصوت بل هو كلام نفسيّ، يخلق الله سبحانه وتعالى الأشياء ويعبّر عن كلامه الذي في نفسه بخلقه الذي خلقه، هكذا يقرّرون، وهذا كلام باطل بل الله سبحانه وتعالى يتكلّم كلاماً حقيقيّاً بحرف وصوت ويسمعه من شاء من خلقه كما قدّمنا الأدلّة على ذلك من كلام المصنّف رحمه الله تعالى، والذي حملهم على هذا قالوا: بأنّ الكلام إذا أثبتناه فمعنى ذلك: يلزم على ذلك أن نثبت الآلات التي يحصل فيها الكلام كاللّسان والشّفتين والحلق إلى آخره،
قلنا: هذا كلام باطل وهذه إلزامات ناتجة أصلا عن التّشبيه عندكم، شبّهتم كلام الله سبحانه وتعالى بكلام المخلوق ثمّ أردتم أن تفرّوا من التّشبيه فوقعتم في التّعطيل، فنقول لهم: أثبِتوا لله كلاماً يليق بجلاله وعظمته وينتهي الأمر، ثمّ نقول لهم: ليس كلّ مَن يتكلّم يتكلّم بالآلات، ليس كلّ من يتكلّم يحتاج إلى الآلات، ثبت في الكتاب والسنّة أنّ الجنّة والنّار تتكلّمان أم لا ؟
ثبت، وثبت أيضاً في الكتاب والسنّة أنّ الحجر يتكلّم أم لا ؟ ثبت، والشّجر يتكلّم أم لا ؟ ثبت، وتنطق أيضاً أعضاء الإنسان يوم القيامة وتشهد عليه أم لا ؟ نعم،
فإذاً يَحدث كلاماً ومن غير أن توجد هذه الآلات فلا حاجة لها، إذاً لا يلزم من الكلام وجود هذه الآلات فلذلك نحن نقول لهم: قولوا كما نقول: نُثبت كلاماً لله سبحانه وتعالى يليق بجلاله وعظمته ولا يشبه كلام المخلوقين وينتهي الأمر، بذلك تفرّون من التّشبيه وتفرّون أيضاً من التّعطيل وتقفون مع كتاب الله وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
قال المؤلف رحمه الله:فصل
القرآن كلام الله
هذه المسألة مبنيّة على ما مضى، فمن أثبت كلاماً حقيقيّاً لله بحرف وصوت قال: القرآن كلام الله تكلّم به سبحانه وتعالى، ومن نفى الكلام عن الله تبارك وتعالى وقال: الله لا يتكلم، قال القرآن مخلوق، ومن قال أنّ الكلام نفسي قديم لا يتجزّأ كما قاله الأشعريّ فيقول ماذا ؟ القرآن أيضاً مخلوق، هذه حقيقة قوله شاءوا أم أبوا ، هذه حقيقة قولهم أن القرآن مخلوق، وقد قال غير واحد تنصيصاً من السّلف: "من قال القرآن مخلوق فقد كفر"، لأنّه مكذّب لكتاب الله تبارك وتعالى .
قال المؤلف رحمه الله:"ومن كلام الله سبحانه: القرآن العظيم وهو كتاب الله المبين " أي البيّن الواضح ، الذي يبيّن الله سبحانه وتعالى فيه ما يحتاجه العباد .
"وحبله المتين" أي القويّ، الحبل الواصل بين الله سبحانه وتعالى وبين خلقه، قال الله سبحانه وتعالى { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً } [ آل عمران/103] .
"وصراطه المستقيم": أي الطريق المستقيم الذي يوصل إلى الله سبحانه وتعالى، هو هذا كتاب الله تبارك وتعالى، قال الله سبحانه وتعالى { اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } [الفاتحة/6].
"وتنزيل ربّ العالمين" نزل من عند الله تبارك وتعالى، قال سبحانه وتعالى { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ }، وقال { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ } [ ص/29] فهذا الكتاب منزل من عند الله تبارك وتعالى .
"نزل به الرّوح الأمين" جبريل عليه السلام .
" على قلب سيّد المرسلين" سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم .
"بلسان عربيّ مبين" فصيح.
"مُنْزل غيرمخلوق" منزل من عند الله، وهو كلامه وليس مخلوقاً خلافاً لمن قاله من المعطّلة .
"منه بدأ، وإليه يعود"،
(منه بدأ) كلاماً له، فهو الذي تكلّم به فبدأ منه سبحانه، وهذا ردّ على الذين يقولون: خلَق الكلام في محلٍّ فبدأ الكلام من ذلك المحلّ، فردّ عليهم السّلف وقالوا: (منه بدأ) أي بدأ من الله سبحانه وتعالى كلاماً له وليس خلْقا .
"وإليه يعود" ويرجع إليه كما جاء في الحديث أنّه يُرفع في آخر الزّمان، أنّه في آخر الزّمان يرفع فلا يبقى في الأرض منه آية .
قال:" وهو سُوَر محكمات" متقنات، سور جمع سورة من سور القرآن.
"وآياتٌ بيّنات" يعني واضحات.
"وحروف وكلمات" فهو سور، وآيات، وكلمات، وحروف .
"من قرأه فأعربه فله بكلّ حرف عشر حسنات"،
(من قرأه فأعربه) من قرأه قراءة صحيحة لا لحن فيها، هذا معنى فأعربه فله بكلّ حرف عشر حسنات .
"له أوّل وآخر" أوّله الفاتحة وآخره النّاس .
"وأجزاء وأبعاض" ثلاثون جزءاً، والبعض جزء من الكلّ .
"متلوّ بالألسنة، محفوظ في الصّدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه" تقدّم معنا معنى المحكم والمتشابه إذا وُصف القرآن بأنّ منه محكم ومنه متشابه، معنى ذلك أن المحكم: الواضح الذي لا خفاء فيه ولا إشكال، والمتشابه: الذي يحتمل أكثر من معنى وفيه إشكال، غير واضح.
"وناسخ ومنسوخ" القرآن منه ناسخ ومنه منسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي، وهذا كلّه مفصّل في كتب أصول الفقه .
قال:" { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } " ليس قبله شيء يكذّبه، ولا بعده شيء يكذّبه .
"{تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} " وهو الله سبحانه وتعالى، موصوف بالحكمة ومحمود على أفعاله .
"وقوله تعالى{ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }" تحدّاهم الله سبحانه وتعالى أن يأتوا بمثل هذا القرآن وهم الفصحاء، ومع شدّة عداوتهم وحرصهم على تكذيبه لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك، فتبيّن بذلك أنّه كلام الله تبارك وتعالى وليس كلام البشر .
قال المؤلف رحمه الله:"وهذا هو الكتاب العربيّ الذي قال فيه الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن" عناداً ومكابرة عياذا بالله .
"وقال بعضهم:" وهو الوليد بن المغيرة وهو من أشدّ خصوم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، "إن هذا إلا قول البشر" وهل فارق الذين قالوا بأنّ القرآن مخلوق قول الوليد بشيء؟ هذا الوليد بن المغيرة يقول: (إن هذا إلا قول البشر) مخلوق،" فقال الله له { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ }" عقاباً على قوله هذا .
" وقال بعضهم : هو شعر ، فقال الله تعالى{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }"، هذا تكذيب لهم فهو كلام الله سبحانه وتعالى وليس كلام البشر ولا هو شعر ولا غيره.
قال:" فلمّا نفى الله عنه أنّه شعر وأثبته قرآناً، م يبقَ شبهة لذي لبّ- أي لصاحب عقل - في أنّ القرآن هو هذا الكتاب العربيّ الذي هو كلمات وحروف وآيات، لأنّ ما ليس كذلك لا يقول أحد إنّه شعر "، لماذا العرب قالت هو شعر عندما أرادت أن تكذّب بالقرآن ؟ لأنّه كلمات وحروف، لو لم يكن كلمات وحروف لما قالوا هوشعر .
"وقال عزّوجل { وَإِن كُنتُمْ } أيّها الكفّار { فِي رَيْبٍ} أي في شكّ { مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ }" إن كنتم في شكّ من هذا القرآن وأنّه ليس من عند الله تبارك وتعالى فأْتوا بسورة واحدة فقط مثله، واستعينوا بمن شئتم من خلق الله، استعينوا بمن شئتم من خلق الله كي تأتوا بسورة واحدة، وانظر مع فصاحة العرب وقوّتهم في اللّغة ومع حرص الكثيرين منهم على تكذيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومع ذلك ما استطاع أحد منهم أن يأتي بآية وليس بسورة .
قال:" ولا يجوز أن يتحدّاهم بالإتيان بمثل ما لا يُدرى ما هو ولا يُعقل" كيف يتحدّاهم بأمر كهذا إلاّ أنّه معلوم أنّه كلمات وحروف معلومة وواضحة لهم، لذلك تحدّاهم أن يأتوا بمثله .
"وقال تعالى { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي }"، قال رحمه الله:" فأثبت أنّ القرآن هو الآيات التي تتلى عليهم"، ولا يتلى إلا ما هو حروف وكلمات .
"وقال تعالى { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ }" فالقرآن محفوظ في صدور أهل العلم، والمحفوظ في صدورهم هي الكلمات والحروف، فهي التي تحفظ فالقرآن كلمات وحروف .
"وقال تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ }،
(في كتاب) أي مكتوب فهو كلمات وحروف فهي التي تُكتب، الكلمات والحروف هي التي تكتب، { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة/79] .
قال المؤلف:"بعد أن أقسم على ذلك وقال تعالى ( كهيعص ) ، (حم * عسق)وهذه كلّها حروف ، وافتتح تسعاًً وعشرين سورة بالحروف المقطّعة" وكلّها حروف.
"وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم :" من قرأ القرآن فأعربه" أي قرأه بشكل صحيح ،"فله بكلّ حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكلّ حرف حسنة" حديث صحيح" ، قال الإمام الألباني رحمه الله في الضعيفة تحت الحديث رقم 6584 : "وهذا غريب جدّا "، يستغرب تصحيح المؤلف، قال فإنّه لا أصل له بهذا اللّفظ مطلقاً في شيء من طرقه التي وقفنا عليها وقد تقدّم تخريجها وبيان عللها، فكيف مع ذلك يصحِّحه ؟فالحديث ضعيف لا يصحّ.
قال المؤلف رحمه الله:" وقال عليه الصلاة والسل