شرح المنظومة البيقونية
( الدرس الثاني )
لفضيلة الشيخ
أبي الحسن علي الرملي
-
حفظه الله -الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
قال الناظم رحمه الله :
أبدأُ بالحمدِ مُصلّياً
علَى محُمدٍ خيرِ نبيٍّ أُرسِلا .بدأ الناظم رحمه الله تعالى بحمد الله والصلاة على النبي
- صلى الله عليه وسلم - .والحمد:
هو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيما . وصف المحمود بكل صفات الكمال محبة له وتعظيما . مصليا : أي حال كوني مصليا .والصلاة على النبي
: معناها طلب الثناء عليه من الله . وأما صلاة الله عليه ؛ فكما قال أبو العالية الرياحي رحمه الله : ثناء الله عليه في الملأ الأعلى ، والملأ الأعلى هم المقربون من الملائكة ، فالملأ هم الأشراف الذين يملئون المجالس عظمة وإجلالا .فبدأ رحمه الله بالصلاة
والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه يقول : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله خيرِ رَسولٍ أرسله الله تبارك وتعالى .ثم قال رحمه الله :
وذِي مِنَ اقسَامِ
الحَديثِ عِدَّه وكُلُّ واحدٍ أَتَى وحَدَّه وذي : اسم إشارة بمعنى وهذه .من
أقسام الحديث عِدَّة : أي وهذه جملة من أقسام الحديث .ومن هاهنا تبعيضية ؛ أي سيذكر المؤلف رحمه الله بعضاً من أقسام الحديث .
وعدة : أي عدد ( جملة أو مجموعة ) من أقسام الحديث . فيكون معنى كلامه رحمه الله : وهذه عدة من أقسام الحديث ستحتوي عليها هذه المنظومة .
فسيذكر لنا رحمه الله جملة من أقسام الحديث وأنواعه في هذه المنظومة .
ذكر الناظم رحمه الله ما يقارب اثنين وثلاثين نوعاً ، وغيره من العلماء ذكروا خمسةً وستين نوعاً وأكثر .
ثم قال رحمه الله :
وكل واحد أتى وَحَدَّه :
يعني سيذكر المؤلف رحمه الله أقساماً من أقسام الحديث قسماً قسماً وسيذكر كل قسم ومعه تعريفه .وحَدَّهُ :
أي تعريفه .سيذكر المؤلف
رحمه الله أقسام الحديث وسيذكر تعاريفها .والمشهور عند أهل الحديث أن أقسام الحديث
قسمان أو ثلاثة ، بعضهم يُقسم الحديث أو ينوع الحديث إلى نوعين وبعضهم ينوعه إلى ثلاث ، بعضهم يقول : الحديث ينقسم إلى صحيح وضعيف فقط ، والبعض الآخر يقول : هو ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف ، فيزيد قسماً ثالثاً وهو الحسن .وبقية الأنواع الأخرى تدخل
في هذه الثلاث ؛ لأن هذه الثلاث لها تعلُّق بالقبول والرد ، وما لا يتعلق بالقبول والرد فهو مكمِّل لهذه الأنواع ، فأصبح عند أهل الحديث ، الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف) بالجملة ).ثم بدأ رحمه الله يذكر لنا أنواع الحديث وأقسامه قسماً قسماً فقال :
أوَّلُها الصَّحيحُ وهوَ ما اتَّصَلْ ْإسنادُهُ ولمَ يَشُذَّ أو يُعـَلّ .
يَرْويهِ
عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلهِ مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلــــِهِ .الآن كما
يقولون سنبدأ بالأهم ، فالآن نحتاج زيادة في التركيز وزيادة في التنبه ، بارك الله فيكم .بدأ رحمه الله بالصحيح ، وهو النوع الأول من أنواع علوم الحديث ، وهذا النوع مهم
جداً إتقانه .قال رحمه الله :
أولها الصحيح : أي أول أقسام الحديث التي سأذكرها هو
الصحيحفما هو الصحيح ؟
الصحيح لغة : هو ضد السقيم .
تقول : رجل صحيح أي ليس به مرض ولا
علة .هذا من الناحية اللغوية .
أما من الناحية الاصطلاحية ، أي عند أهل الحديث ؛ الصحيح : هو
ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معللَّاً .هذا
تعريفه عند أهل الحديث .أرجو الانتباه حيث سنوضح كل قيد من هذه القيود التي ذُكِرت في الصحيح ؛ ما معناها وما المراد منها ؟
قال أولاً : الصحيح هو ما اتصل إسناده : يعني يُشترط في
الحديث كي نسمِّيه صحيحاً أن يكون إسناده متصلا ، ما معنى اتصال السند ؟في درسنا
الماضي عرَّفنا السند - من المهم جداً لطالب العلم أن يحفظ التعريفات والمصطلحات ، المصطلحات والتعريفات والقواعد مهمة جداً لكي يتقن الطالب المادة –وقد ذكرنا في الدرس الماضي أن الإسناد والسند
عند أهل الحديث بمعنى واحد فذكرنا أن السند والإسناد عند أهل الحديث ماذا يُقصد بهما ؟ يقصد بهما سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن ، ذكرنا مثالاً على ذلك : قلنا قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن نافع عن ابن عمر .هذه السلسلة :
عبد الله
بن يوسف التنيسي : راومالك : راو
نافع : راو
ابن عمر : راو
فهذه سلسلة الرواة تسمى
إسناداًالشرط الأول في الصحيح أن يكون هذا الإسناد متصلاً ، ماذا يعني أن يكون متصلا ؟
يعني أن يكون البخاري قد سمع من شيخه عبد الله بن يوسف ، وسمع عبد الله بن يوسف من شيخه مالك ، وسمع مالك من شيخه نافع ، وسمع نافع من شيخه ابن عمر ، وسمع ابن عمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان الإسناد بهذه الصورة فيسمى إسناداً متصلا .هذا هو
الشرط الأول من شروط الصحيح .طيب إذا كان في الإسناد راوٍ لم يسمع من الذي بعده
كأن نقول مثلاً : لو حدث الإمام البخاري عن الإمام مالك مباشرة ، طيب ننظر في ترجمة الإمام البخاري ، ننظر في ترجمة الإمام مالك ، نجد أن بين البخاري وبين مالك مسافة ، وأن البخاري لم يسمع من الإمام مالك فماذا نقول ؟نقول : هذا الإسناد ليس متصلاً
. إذاً ؛ فلا يصح أن يسمى صحيحاً ؛ لأنه ؛ من أين أتى به الإمام البخاري ؟ إذا لم يكن سمعه من مالك فقد سمعه من غيره ، من هو هذا الغير ؟ وما هو حاله ؟ لا نعرف عنه شيئاً .إذاً ؛
فلا يعتبر هذا من قسم الصحيح ، يسمى شيئاً آخر سيأتي تفصيله وبيانه في الأنواع القادمة إن شاء الله .المهم الآن أن نفهم أن شرط الصحيح ؛ أن يكون الإسناد متصلاً .
جاءك شخص وخبرك قال لك : قال الشيخ الفلاني كذا وكذا ، وأنت تعلم أن هذا الشخص لم
يلقَ الشيخ الفلاني ولا جالسه وهذا الكلام ليس موجوداً له في شريط ولا في كتاب ماذا ستقول له ؟ من أين لك هذا ؟ من أين علمت أن الشيخ الفلاني قال هذا ؟ لماذا ؟ لأنك تعلم أنه لم يسمع منه فإذاً هذا يعتبر إسناداً منقطعاً غير متصل فليس من شرط الصحيح . إذاً من شرط الصحيح أن يكون متصلاً هذا هو الشرط الأول .فقال : الصحيح ما اتصل إسناده
، إذا لم يتصل إسناده فليس بصحيح .بنقل العدل : ننتقل إلى الشرط الثاني من شروط
الصحيح وهي العدالة ، أي يجب أن يكون الشخص الذي يروي الحديث عدلاً ، ماذا نعني بالعدل ؟العدل : هو المسلم البالغ العاقل الخالي من أسباب الفِسق وخوارم المروءة .
هذه
خمس شروط يجب أن تتوفر في الراوي حتى نقبل حديثه ، هذه شروط الصحيح .شروط تنفعك في
كل خبر تسمعه وليست فقط في علم الرواية تنفعك في جميع الأخبار التي تسمعها .فإذاً
شرط قبول الخبر أو الرواية أن يكون الشخص مسلماً بالغاً عاقلاً خالياً من أسباب الفسق وخوارم المروءة .فلنقف مع هذه الشروط والقيود واحداً واحدا .
أن يكون مسلماً
: إذاً شرط العدل أن يكون مسلماً ، فإذا كان كافراً فلا يكون عدلاً .الشرط الثاني : أن
يكون بالغا وماذا نعني بالبالغ ؟ أن يكون قد وصل إلى سن التكليف ، هذا معنى البلوغ ، أن يكون وصل إلى مرحلة التكليف ، مرحلة التكليف هذه كيف نعرفها ؟ كيف نعرف أن الشخص هذا بالغ أم ليس ببالغ ؟ هناك عندنا ضوابط ممكن أن نعرف بها الشخص هل هو بالغ أم ليس ببالغ ؟ الأول : إذا تم له خمس عشرة سنة قمرية يحصل بذلك البلوغ ، يسمى هذا بالغاً ، إذا أكمل خمس عشرة سنة قمرية ( يعني الحساب يكون بالهجري وليس بالميلادي ) .إذا أكمل خمس
عشرة سنة قمرية يكون بالغاً هذه العلامة الأولى .العلامة الثانية : أن ينبت حول قُبُلِهِ
شعر خشن قوي صُلب وليس الشعر الخفيف الناعم الذي يكون عادة مع بعض الناس ، لا ، إنما المقصود هنا الشعر الخشن الصلب الذي يخرج على كبر بعد أن يكبر الشخص وليس وهو صغير ، لا يكون معه وهو صغير ؛ إنما يحصل على كبر .إذاً ؛ إما أن يبلغ خمس عشرة سنة يكملها أو أن ينبت الشعر
الصلب حول قبله .والثالثة : أن ينزل المني ، إن أنزل منياً يكون في هذه الحالة قد بلغ .
هذه
ثلاث علامات يُعرَف بها البالغ .والرابعة : خاصة بالنساء وهي الحيض ، أيما امرأة حاضت
فقد بلغت ، وأيما امرأة أو رجل أنزلا منياً فقد بلغا ، وأيما رجل أو امرأة بلغا خمس عشرة سنة فقد بلغا ، وأيما رجل أو امرأة أنبتا حول القبل شعراً خشنا صلباً فقد بلغا . هذه علامات البلوغ ، فهذا هو الذي يصل إلى سن البلوغ هو الذي تقبل منه الرواية . العاقل الخالي من أسباب الفسق : نحن إلى الآن ما زلنا مع الشرط الثاني من شروط الصحيح .الشرط الأول : اتصال السند .
الشرط الثاني : العدالة .
قلنا العدالة ماذا تعني ؟ أن
يكون الشخص مسلماً بالغاً عاقلاً خالياً من أسباب الفسق .ما هي أسباب الفسق التي يجب
أن يخلو منها الراوي كي يُقبل خبره ؟أسباب الفسق هي فعل الكبيرة والإصرار على
الصغيرة . هذه هي أسباب الفسق ، فإذا فعل شخص كبيرة من الكبائر ولم يتب منها ؛ لا يقبل منه خبر ، وإذا وقع في صغيرة وأصر عليها - أي لازمها وداوم عليها - فعندئذ لا يقبل خبره ؛ لأنه يكون في هذه الحالة فاسقا ، فلا يقبل منه خبر.إذاً ؛ شرط العدل أن يكون خالياً من أسباب الفسق .
وما هي أسباب الفسق ؟
الوقوع في
الكبيرة ، أو الإصرار على الصغيرة .هذه هي أسباب الفسق .
طيب ما هي الكبيرة إذا ، التي
يجب على العدل أن يجتنبها ؟الكبيرة : هي ما تُوُعِّدَ عليه بغضب أو لعنة أو رُتب عليه عقاب
في الدنيا أو عذاب في الآخرة . هذه الكبيرة .نعطيكم أمثلة على ذلك : قال الله تبارك
وتعالى (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )). إذاً ؛ قتل المؤمن هنا ماذا ؟ كبيرة ، لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى قال (( وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ )) بما أن فيها غضبا ؛ إذاً فهي كبيرة .وقال الله تبارك وتعالى :
(( ِإنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )) هذه ماذا ؟ كتمان ما أنزل الله كبيرة من الكبائر ، كتمان العلم الذي أنزله الله كبيرة من الكبائر ، لماذا ؟لأن الله سبحانه وتعالى لعن عليها .
وما رُتِّب عليه عقاب في الدنيا ؛ كقول الله تعالى
(( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا )) هذا عقاب في الدنيا ، تُقطع يد السارق في الدنيا فهذا العقاب الذي رُتِّب على السرقة دليل على أن السرقة كبيرة من كبائر الذنوب .وما رتب عليه عذاب في الآخرة ؛ كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -
:" ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار " أخرجه البخاري .قول النبي - صلى الله عليه
وسلم - أنه في النار ( يعني صاحب الإزار ) ؛ دل ذلك على أن إسبال الإزار أسفل الكعبين كبيرة من كبائر الذنوب .هذا هو الضابط في معرفة الكبيرة .
فمن وقع في
كبيرة من الكبائر لا يكون عدلاً ، وبناء عليه فلا تُقبل روايته ولا يُؤخذ منه خبر .إذاً
؛ العدل : هو المسلم البالغ العاقل الخالي من أسباب الفسق .وقلنا : أسباب الفسق : ارتكاب الكبيرة
أو الإصرار على الصغيرة .وخوارم المروءة ؛ هذا الشرط الخامس في العدالة ، أن لا يقع
الراوي في خوارم المروءة .قالوا : المروءة هي ترك المذموم عُرفاً ، يعني أن يفعل الشخص
فعلاً هو من الناحية الشرعية ليس محرماً ؛ ولكنه عند الناس ، في عرف الناس ؛ مذموم ، عمل لا يقبل من مثل هذا الشخص في أعين الناس وفي نظرهم .هذا معنى المروءة .
والذي يخرم
المروءة فعل هذا الشيء المذموم .لكن هذا الشرط حصل فيه شيء من النزاع بين أهل العلم،
هل هو شرط فعلي وحقيقي في العدالة ، أم هو مجرد شرط نظري يقرَّر في الدراسة ولكن من ناحية التطبيق العملي لا وجود له ، حصل خلاف ونزاع بين أهل العلم والذي يترجح عندي أن خوارم المروءة لا تعتبر قادحاً في عدالة الشخص . والله أعلم .هذا بالنسبة لشرط
العدالة وهو الشرط الثاني من شروط الصحيح .قلنا : الصحيح ما هو ؟ ما اتصل إسناده
بنقل العدل الضابط ؛ إذاً ؛ لا بد أن يكون الإسناد متصلاً من قِبَل رواة هم عدول في أنفسهم أي لا يكذبون ولا يفعلون المحرمات ويفعلون ما أوجب الله سبحانه وتعالى عليهم، فهم أناس صالحون تُقبل أخبارهم ويُؤتمن جانبهم .بنقل العدل الضابط : من الممكن أن يكون
الشخص عدلاً في نفسه ولا يكذب ولا يتجرأ على الكذب ؛ ولكنه لا يتمكن من الحفظ من حفظ الرواية بشكل جيد .وهذا القيد احتراز من وقوع الخطأ في حديث رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - لذلك قالوا لا بد أن يكون الراوي حافظاً ، والحفظ كيف يكون ؟ .....يتبع