القائد الدميث شرح الباعث الحثيث
الجزء الثاني
(قال ) أي: ابن الصلاح ( : اعلم - علمك الله وإياي - أن الحديث عند أهله ) أهل الحديث ( ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف ) ابن الصلاح تبع في هذا الكلام الخطابي ، والخطابي من علماء القرن الرابع ، مات سنة 388 هـ ، وكلامه الذي ذكره ابن الصلاح ذكره الخطابي في " معالم السنن " شرح سنن أبي داود له ، وهو مطبوع .
قال العراقي – رحمه الله – تعليقا على هذا الكلام : " ولم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك ، وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن ..." إلى آخر ما قال .
تقسيم الحديث إلى هذه القسمة الثلاثة ؛ صحيح وحسن وضعيف ؛ ذهب إليها بعض أهل الحديث ، و البعض الآخر منهم ذهب إلى تقسيمه إلى صحيح وضعيف فقط ، والسلف قبل الترمذي على هذا .
وقول ابن الصلاح هنا " أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف ؛ اعترض عليه ابن كثير كما سيأتي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - " وأما قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف ؛ فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة ؛ أبو عيسى الترمذي ، ولم تعرف هذه القسمة عن أحد قبله ، وأما من قبل الترمذي من العلماء ؛ فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي ، لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف .." إلى آخر كلامه رحمه الله .
فإذن العلماء قبل الترمذي ، كانوا يقسمون الحديث إلى قسمين ؛ صحيح وضعيف ، مقبول ومردود ، هذا ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - .
ولا يعني ذلك أن الحسن لم يرد عنهم ولم يستعملوه ؛ بل ورد عنهم ؛ عن الشافعي والبخاري وعلي بن المديني ، أنهم استعملوا كلمة الحسن .
ولكن أهل العلم اختلفوا في مراد هؤلاء بالحسن ، هل استعمالهم له استعمال لغوي أم استعمال اصطلاحي ؟
شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ينقل أن العلماء قبل الترمذي كانوا يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف ، إذن فمعنى ذلك أن الحسن الواقع في كلام السلف يراد منه الحسن اللغوي وليس الحسن الاصطلاحي ، وإن كان الحافظ ابن حجر – رحمه الله – أثبت أن علي بن المديني تكلم بالحسن وأراد منه الاصطلاحي .
وهذا بناء على فهم الحافظ رحمه الله لكلام ابن المديني .
ثم قال الحافظ ابن حجر تعليقا على كلام ابن الصلاح هذا : والظاهر أن قوله " عند أهله " من العام الذي أريد به الخصوص ، أي الأكثر أو الأعظم أو الذي استقر عليه اتفاقهم بعد الاختلاف المتقدم " .
أي أن أهل الحديث لم يذهب جميعهم إلى هذا التقسيم ، بل هو لفظ عام أراد به بعض أهل الحديث وليس جميعهم ، هذا معنى كلام ابن حجر في تأويل كلام ابن الصلاح .
فابن حجر يثبت أن السلف كانوا يستعملون الحسن بالمعنى الاصطلاحي .
والذين كانوا يقسمون الحديث إلى قسمين ؛ كانوا يدخلون الحسن لذاته في الصحيح ، والحسن لغيره في الضعيف ، وهو قسم الضعيف المعمول به ، فكان الضعيف عندهم قسمان ؛ قسم يعمل به وقسم لا يعمل به ، القسم الذي يعمل به هو الضعيف إذا انجبر ، والقسم الذي لا يعمل به هو الضعيف الذي لا ينجبر .
هذا ما ذكره أهل العلم في مسألة التقسيم ، والمسألة في النهاية اصطلاحية ، فهم جميعهم يعملون بالصحيح والحسن ، ويردون الضعيف ؛ ولكن الخلاف خلاف اصطلاحي ولا مشاحة في الاصطلاح إذا لم يبن على الاصطلاح معنى خاطئا ، فلك أن تقسم الحديث إلى قسمين ولك أن تقسمه إلى ثلاثة ما دمت تتفق مع العلماء على قبول الصحيح والحسن ، ورد الضعيف .
( قلت) أي ابن كثير رحمه الله (: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر) أي إن كان بالنسبة إلى القبول والرد ( فليس إلا صحيح أو ضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفاً هو وغيره أيضاً) يقول ابن كثير هنا ؛ من أين أتيتم بهذا التقسيم ، فإن أردتم به قسمة الحديث من ناحية القبول والرد ؛ فما عندنا إلا مقبول أو مردود ، وإن أردتم أنها قسمة اصطلاحية ؛ فالحديث في اصطلاح أهل الحديث ينقسم إلى أنواع كثيرة ، وأنتم قبل قليل ذكرتم خمسة وستين نوعاً من أقسام الحديث ؟.
أجاب عن هذا السيوطي في " تدريب الراوي " ؛ فقال : " المراد الثاني " أي في اصطلاح المحدثين ، قال : " والكل راجع إلى هذه الثلاثة " ، أي جميع الأنواع التي ذكروها ترجع إلى هذه الثلاث ، فصار عندنا قسمة جملية ، وقسمة تفصيلية ، فقسمة الحديث بالجملة ؛ صحيح وحسن وضعيف ، وبالتفصيل أكثر من ذلك .
أقول : هذا ما ذكره السيوطي ؛ لكن في الحقيقة ما يرجع إلى هذه الثلاث هو ما يتعلق بالقبول والرد ، كما قال السخاوي – رحمه الله – في " فتح المغيث " ، وأما ما لا يتعلق بالقبول والرد فلا يرجع إلى هذه الثلاث ، وإن كان له تعلق بها .
هذا كله نقاش في مسائل اصطلاحية .
قول ابن كثير " آنفاً " أي قبل قليل ، تقول فعلت الشيء آنفا، أي في أول وقت يقرب مني .
خلاصة الأمر : من العلماء من قسم الحديث إلى صحيح وضعيف ؛ وهؤلاء يدخلون الحسن لذاته في الصحيح ، والحسن لغيره في الضعيف ، ويعملون به .
ومنهم من قسمه إلى صحيح وحسن وضعيف ، وهؤلاء يعملون بالصحيح والحسن ويردون الضعيف .
ثم قال ابن كثير – رحمه الله - :
( قال ) أي ابن الصلاح (: أما الحديث الصحيح ) لغة ؛ ضد السقيم
و أما اصطلاحا ( فهو الحديث المسند ) نقف الآن وقفة عند قوله " المسند " ، ماذا يريد بقوله المسند ؟ ذكر ابن الصلاح في كتابه أن العلماء عرفوا المسند بثلاثة أقوال ؛ مقتضى هذه الأقوال الثلاثة ؛
أن المسند بمعنى المرفوع .
وأنه بمعنى المتصل .
وأنه بمعنى المتصل المرفوع .
هذه خلاصة الأقوال الثلاثة ، فماذا يريد ابن الصلاح من قوله " المسند " هنا ؟
أقول : إن أراد المعنى الأول أو الثاني أو الثالث ؛ فقد ذكر بعد ذلك قيودا تغني عن هذه الثلاث ، فبأي بمعنى من هذه المعاني الثلاث أراد كلمة المسند ؛ فهي زائدة لا داعي لها.
فلو أراد مثلا المسند بمعنى المرفوع ؛ فقوله في التعريف " إلى منتهاه " تغني عنها ، لأنه قوله إلى منتهاه ؛ يدخل فيه المرفوع وغير المرفوع ، فإن أراد المرفوع فقط ؛ فبإمكانه أن يقول : إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويستغني عن كلمة المرفوع .
وإن أراد المسند بمعنى المتصل ؛ فقوله " الذي يتصل إسناده " يغني عنه .
وأما إن أراد المسند بمعنى المتصل المرفوع ؛ فقوله " الذي يتصل إسناده إلى منتهاه يغني عن هذه الجملة .
إذن فهي كلمة زائدة في التعريف لا حاجة إلها .
هذا كله نقاش لضبط التعريف فقط ، والأمر فيه سهل .
ثم قال :
( الذي يتصل إسناده ) الاتصال : هو سماع كل راو من الذي يليه من أول الإسناد إلى منتهاه .
أما الإسناد : فالإسناد والسند بمعنى واحد عند المحدثين ، وهو سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن .
فالذي يتصل إسناده ؛ أي الحديث الذي يرويه الرواة الذين سمع كل واحد منهم من الذي يليه ؛ كأن يروي الحديث مثلا البخاري فيقول : حدثني القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيشترط لنقول هذا الإسناد متصل ، أن يكون البخاري قد سمع من القعنبي ، و القعنبي قد سمع من مالك ، ومالك قد سمع من نافع ، ونافع قد سمع من ابن عمر ، وابن عمر قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا الشرط الأول من شروط الحديث الصحيح .
ثم قال :
(بنقل العدل) هذا الشرط الثاني ، يجب أن يكون ناقل الحديث عدلا .
والعدل هو : المسلم البالغ العاقل الخالي من أسباب الفسق وخوارم المروءة .
وسيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله .
( الضابط ) أي الحافظ ، والحفظ حفظان ؛ حفظ صدر وحفظ كتاب.
حفظ الصدر : أن يثبت ما سمعه حتى يتمكن من استحضاره متى شاء .
وحفظ الكتاب : هو صيانته لديه مذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه ، والمراد بالحفظ هنا الحفظ التام .
( عن العدل الضابط ) وقلنا هنا لو اختصر الكلام وقال " عن مثله " لكان أخصر .
(إلى منتهاه) أي من بدايته إلى نهايته ، ويدخل في ذلك المرفوع والموقوف والمقطوع ، أي إذا كانت نهايته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نهايته إلى الصحابي أو التابعي .
(ولا يكون شاذاً ) الشذوذ لغة ؛ التفرد .
واصطلاحا : مخالفة المقبول لمن هو أولى منه ، ويدخل في لفظ المقبول صاحب الحديث الصحيح ، وصاحب الحديث الحسن ، فإذا خالف الراوي المقبول في روايته رواية من هو أولى منه في الحفظ أو أكثر منه في العدد ، فرواية هذا الراوي تكون شاذة ، ورواية من خالفه محفوظة ، وسيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله .
(ولا معللاً ) المعلل : ما فيه علة قادحة .
والعلة : هي سبب خفي قادح ، يقدح في صحة الحديث ، مع أن الظاهر السلامة منها .
وسنزيد القول فيه في موضعه إن شاء الله .
ثم قال – رحمه الله - :
( ثم أخذ ) ابن الصلاح رحمه الله (يبين فوائد قيوده ) والقيود : هي الكلمات التي ذكرها في تعريف الصحيح ، والتي وضعها ليخرج بها ما ليس من المعرف .
فإذا أردنا تعريف شيء ما ، أتينا بكلمة عامة ، تشمل عدة أفراد أو عدة أشياء ، ثم نبدأ بإخراج ما لا نريده من أنواع تدخل تحت تلك الكلمة العامة ؛ بكلمات ، وهذه الكلمات تسمى قيودا أو فصولا .
فإذا أردت تعريف الإنسان – مثلا - ؛ قلت : الإنسان حيوان ناطق ، فلتعريف هذا الإنسان قلت هو حيوان ، ولما كانت كلمة حيوان تشمل الإنسان وغيره أي تشمل كل ما هو حي، فالإنسان حي ، والحيوان الذي يمشي على أربع حي ، والطيور حية أيضا ، فلا بد هنا من الإتيان بكلمة لتقييد اللفظ وإخراج كل ما لا تريده منه فتقول الإنسان : حيوان ناطق ، فكلمة ناطق هنا نوع من الجنس ؛ كالقيد أو فصل في العام ، قيدت به اللفظ العام وأخرجت كل ما كان مشتركا مع الإنسان في اللفظ الأول ، وأبقيت ما كان ناطقا وليس هو إلا الإنسان ، فهذا ما تعنيه كلمة القيد .
(وما احترز بها من المرسل والمنقطع والمعضل) فعندما قال يتصل إسناده ، أخرج بهذا الشرط الثلاثة التي ذكرها ابن الصلاح ، وهي المرسل ، والمرسل ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منقطع فالتابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم بل بينه وبينه واسطة ، فلا يدخل في الصحيح لأنه أخرجه بقيد " الذي يتصل إسناده" ، وكذلك أخرج كل ما فيه سقط بهذا القيد ، ومنه المرسل والمعلق وهو ما حذف من إسناده واحد فأكثر ، والمنقطع وهو ما سقط منه واحد أو أكثر بشرط عدم التوالي ، والمعضل وهو ما سقط منه اثنان فأكثر بشرط التوالي ، والمرسل الخفي وهو ما رواه الراوي الذي عاصر الذي روى عنه ولكنه لم يلقه فروى عنه ولم يسمع منه فبينهما واسطة ، وفيه سقط ، والمدلس وهو ما رواه المدلس بصيغة عن أو قال أو أن ، وهي الصيغ التي فيها احتمال السماع فاحتمال السقط فيه واردة .
فهذه الأنواع كلها من أنواع الضعيف التي خرجت بقيد اتصال السند .
ثم قال :
( والشاذ ) أي وأخرج الشاذ بقيد " ولا يكون شاذا " ، فالشاذ ليس من الصحيح .
قال :
( وما فيه علة قادحة) وقد أخرج هذا بقيد " ولا يكون معللاً " ، فقصد ابن الصلاح بقوله " معللاً " ؛ ما فيه علة قادحة ، فلا يحتاج بعد قوله "معلل " إلى قوله " بعلة قادحة " ؛ لأن المعلل عنده ما كانت علته قادحة ،لذلك ذكر أن ما يخرج بقيد " ولا يكون معللا" ما فيه علة قادحة.
(وما في راويه نوع جرح) وأخرج ما في راويه نوع جرح سواء كان في العدالة أو في الضبط بقوله : " بنقل العدل الضابط " ، وأخرج أيضا بهذا القيد ؛ المجهول ؛ مجهول الحال ومجهول العين ؛ لأننا لم نعرف أهو عدل ضابط أم لا عدل ولا ضابط ، إذ شرطنا في الصحيح أن يكون الراوي عدلا ضابطا ، فإذا كان مجهولا لا يقبل خبره .
فهذه الأنواع كلها خرجت بالقيود المذكورة .
( قال ) أي ابن الصلاح (: فهذا هو الحديث الذي يُحكم له بالصحة، بلا خلاف بين أهل الحديث ) فالمحدثون متفقون على صحة الحديث الذي توفرت فيه هذه الشروط الخمسة .
قال ابن كثير – رحمه الله – نقلا عن ابن الصلاح : (وقد يختلفون في بعض الأحاديث ) فمع أنهم اتفقوا على هذه الشروط للحديث الصحيح ؛ لكنهم عند التطبيق يختلفون في بعض الأحاديث ، أي في صحتها ، فما هو سبب هذا الاختلاف ؟ قال ابن الصلاح : ( لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف ) أي في توفرها في الحديث المعين ، فبعض المحدثين ينظرون إلى حديث معين فيقولون شروط الصحيح متوفرة فيه ، والبعض الآخر يقول لا فيه فلا ضعيف أو يقول إسناده منقطع .. وهكذا .
فهم متفقون على أن الشروط الخمسة يجب أن تتوفر ولكنهم اختلفوا في وجودها في الحديث المعين .
مثلا محمد بن عمرو بن علقمة ، البعض من أهل الحديث يحتج بحديث محمد بن عمرو بن علقمة على لأنه عنده عدل ضابط ، والبعض الآخر يضعف حديثه ؛ لأنه عنده عدل ولكنه ليس بضابط الضبط المطلوب ، كذلك ابن لهيعة ؛ فالبعض يصحح له والبعض يضعف له ؛ إذن هم متفقون على أن الراوي إذا كان عدلا ضابطا ؛ يقبل حديثه ، ولكنهم اختلفوا في الراوي المعين ؛ هل توفرت فيه صفة العدالة وصفة الضبط أم لم تتوفر .
وكذلك بقية الشروط ، فالبعض يقول في إسناد معين هذا إسناد متصل ، وآخر بقول هذا إسناد غير متصل فلان لم يسمع من فلان ، كذلك البعض يقول هذا الحديث شاذ ، وآخر يقول ليس بشاذ ليس فيه مخالفة ، أو أن الراوي قد حفظه ..إلخ ، فهذا سبب من أسباب الاختلاف .
والأمر الآخر :
( أو في اشتراط بعضها، كما في المرسل ) أي ويختلفون في الحكم على الحديث بالصحة لاختلافهم أيضا في اشتراط بعض هذه الشروط ، الخلاف في كونها شرطا ؛ كشرط الاتصال هم يوافقون على أن الحديث إذا كان متصلا أنه صحيح ولكنهم يخالفون في كون المرسل ليس بحجة ، فهم متفقون بداية على أن الشروط الخمسة إذا توفرت في الحديث فهو صحيح ، لكن البعض يقول ؛ المرسل يقبل أيضا ، وإن كنت أنا معكم أقبل المتصل ، لكن أقول أيضا المرسل مقبول فلا أقركم على أن الاتصال المنافي للإرسال شرط للصحيح بمعنى أن الحديث لا يكون صحيحا إلا إذا لم يكن مرسلا .
الآخر يقول : لا ؛ المرسل لا يقبل ، والحديث لا يكون صحيحا إلا إذا كان متصلا .
من هنا يأتي الخلاف أيضا في تصحيح وتضعيف بعض الأحاديث .
( قلت ) الكلام الآن لابن كثير (: فحاصل حد الصحيح ) وهنا يريد ابن كثير أن يذكر الخلاصة (: أنه المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله ) حذف ابن كثير هنا لفظة " المسند " وغير كلمة " العدل الضابط " الثانية إلى " عن مثله " وقد أحسن في ذلك لاختصار التعريف ( حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إلى منتهاه، من صحابي أو من دونه ) هذه إطالة ، فلو قال إلى منتهاه واكتفى لكان أفضل (ولا يكون شاذاً، ولا مردوداً ) المردود يطلق على الحديث الضعيف ، ويطلق أيضا على بعض أنواعه ، وهو قيد زائد ؛ لأن ما ذكره ابن الصلاح – رحمه الله – من القيود يخرج جميع أنواع الضعيف (ولا معللاً بعلة قادحة) زاد ابن كثير : "بعلة قادحة " وقلنا إن المعلل عند ابن الصلاح ؛ هو المعلل بعلة قادحة ، فقوله " بعلة قادحة " زيادة لا داعي لها ( وقد يكون مشهوراً أو غريباً ) أراد ابن كثير أن يبين أنه ليس من شرط الصحيح أن يكون مشهورا ، كما ذهب إلى ذلك البعض ، بل قد يكون الحديث الصحيح غريبا أيضا ، فكأن ابن كثير رحمه الله أراد أن يرد على هؤلاء البعض ، ويبين لهم أن الحديث الصحيح ليس من شرطه أن يكون مشهورا أو عزيزا ، فحتى الحديث الغريب يمكن أن يكون صحيحا ، كما يمكن أن يكون ضعيفا ، وكذا الحال بالنسبة للعزيز والمشهور .
فالذي يترجح عندنا أن أصح تعريف للحديث الصحيح : " هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا " . وهو ملفق من تعريف ابن الصلاح وابن كثير .
قال – رحمه الله - :
( وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله) أي أن الحديث الصحيح ليس كله على مرتبة واحدة عند النقاد من أهل الحديث ، فربما اشتركت مجموعة من الأحاديث في وصف الصحة ، لكنها تختلف في درجاتها ، فبعضها يكون في أعلى درجات الصحيح ، والبعض في وسطه ، والبعض في أدناه ، ولكنها جميعها يطلق عليها الصحيح ، وسبب الاختلاف في ذلك ؛ اختلاف وجود أوصاف الصحة فيه من حيث القوة والضعف ، فالراوي قد يكون عدلا حافظا ، وصل في درجة الحفظ إلى القمة ، والآخر يكون عدلا حافظا ، لكن حفظه ليس كحفظ الأول ، فالأول حديثه صحيح ، والثاني حديثه صحيح ، ولكن صحة الأول ليست كصحة الثاني ؛ لأن الأول رواته أشد حفظا وأقوى عدالة ، فلهذا يكون حديثهم أقوى ، وكذلك جميع صفات الصحيح ؛ فكلما توفرت أكثر ، كلما كان أقوى من غيره وإن اشترك مع غيره في أصل الصحة .
فقوله هنا " وهو متفاوت في نظر الحفاظ في محاله " أي في تطبيق هذه القواعد على الأحاديث المعينة، فعند تطبيق هذه القواعد على الأحاديث ، نجد أن هذه الأحاديث تفاوتت في درجة الصحة ..... يتبع .