شرح الدرر البهية الدرس الأول
[المجلس الأول ]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول لله : أما بعد
فهذا المجلس الأول من مجالس شرح الدرر البهية في الفقه .
والفقه من العلوم المهمة ؛ فهو يعتبر غاية بالنسبته لعلوم الآلة ، وثمرته العمل . وعمل من غير فقه لا يصح ؛ فواجب على كل مسلم أن يتفقه قبل أن يعمل.
ونعني بالفقه ؛ الفقه المعروف عند الفقهاء ؛ معرفة الأحكام الشرعية العملية بالأدلة ، وإلا فالفقه يختلف من الناحية اللغوية عن المعاني الاصطلاحية .
أما الفقه لغةً: فهو الفهم، { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول} ، أي ما نفهم كثيراً مما تقول.
وأما من الناحية الشرعية فالفقه : هو معرفة كل ما جاء عن الله - سبحانه وتعالى - سواء كان في العقيدة أو الأعمال أو الأخلاق.
كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الفقه.
قال عليه الصلاة والسلام لابن عباس : " اللهم فقهه في الدين " : أي علمه دينك ؛ فالفقه يدخل فيه من الناحية الشرعية العلم بالعقيدة، والعلم بالفقه المعروف عند الفقهاء، والعلم بالأخلاق والآداب، العلم بكل ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فالفقه في الشرع بمعنى فهم دين الله - تبارك وتعالى -.
وأما الفقه عند الأصوليين: فهو معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية. وهذا كنا ذكرناه في شرح الورقات؛ فالعقيدة عند الأصوليين ليست من الفقه ، كذلك معرفة الأحكام الشرعية العملية التي عرفت بالضرورة : كتحريم الزنا والربا ، ووجوب الصلاة ، هذه كلها عند الأصوليين لا تعتبر فقهاً ؛ لأنها أمور يشترك في معرفتها العالم والجاهل . وكذلك الأحكام التي عرفت بالتقليد هذا أيضاً عندهم لا يسمى فقهاً.
فعلى ذلك فالفقيه عند الأصوليين هو من كانت له ملكة الاستنباط ، هذا يسمى فقيهاً عند الأصوليين .
أما عند الفقهاء فالفقه أعم عندهم ؛ هو معرفة الأحكام الشرعية العملية بالأدلة ، سواء كانت بالاستنباط أو بالضرورة، كلها تسمى عند الفقهاء فقهاً، فالفقه عند الفقهاء أعم من الفقه عند الأصوليين .بل بعضهم يطلق الفقه على من حفظ جملة من الأحكام الشرعية ؛ لكن هذا الحفظ حفظ طائفة من الأحكام الشرعية، غير متيسر عند الكثيرين في زماننا هذا ؛ فقالوا : ما هو الضابط في معرفة الفقيه بهذا المعنى في زمننا ؟ قال بعض أهل العلم : الضابط في ذلك في زماننا هذا أن يتمكن من معرفة موضع المسألة الفقهية ، إذا تمكن من ذلك فيكون فقيهاً عند بعض الفقهاء . لكن الذي ينال الفضائل الواردة للعلماء ، ويحصل على مكانة العلماء وفضائلهم، ونرجو له أن يحشر خلف معاذ بن جبل ؛ من حقق المعنى الشرعي للفقيه ، وكان عاملاً به.
أما الاصطلاحات فهذه لا ينبني عليها فضيلة ولا حكم شرعي ، وإنما هي لتقريب المعنى فقط .
وأما الكتاب الذي سندرسه – إن شاء الله – في هذه المادة، فهو كتاب الدرر البهية للإمام الشوكاني - رحمه الله -.
الشوكاني: هو أبو عبد الله محمد بن علي الشوكاني ثم الصنعاني، من علماء اليمن. ولد سنة 1172هـ، ومات سنة 1250هـ.
وهو من فقهاء المحدثين، ومن العلماء المتأخرين.
له عدة مؤلفات من أشهرها نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، كتاب جمع صاحبه أحاديث الأحكام، وشرحه الشوكاني – رحمه الله -.
ومن كتبه المشهورة أيضاً هذا الكتاب الذي بين أيدينا وهو الدرر البهية، وله عليه شرح سماه الدراري المضيئة.
الدرر البهية هذا، كتاب مختصر في الفقه، جمع فيه مؤلفه الكثير من الأبواب الفقهية، التي صحت أدلتها من الكتاب والسنة، وهو كتاب نفيس ونافع – إن شاء الله تبارك وتعالى – ومناسب لطالب العلم المبتدئ في هذا الفن.
وكلمة الدرر: هي جمع درة، وهي اللؤلؤة العظيمة الجميلة.
والبهية : من البهاء ؛ الحسن و الجمال.
قال المؤلف – رحمه الله -: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
ابتدأ المؤلف بالبسملة، اقتداءً بكتاب الله تبارك وتعالى، فهو مبدوءٌ بالبسملة، وكذلك اقتداءً بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه عليه الصلاة والسلام كان يقتصر عليها في مراسلاته، من دون الحمد كما في كتابه لهرقل عظيم الروم.
ففي الرسائل كان – صلى الله عليه وسلم – يبدأ بالبسملة.
وأما في الخطب والمحاضرات فكان يبدأ بالحمدلة، والصلاة على نفسه – صلى الله عليه وسلم -.
ومعنى البسملة هنا: أي أكتب مستعيناً بالله ذو الرحمة .
ثم قال – رحمه الله - : ( أحمد من أمرنا بالتفقه في الدين ) ، هذا حمد من المؤلف لله - تبارك وتعالى - ، فالذي أمرنا بالتفقه في الدين : هو الله – تبارك وتعالى - .
قال سبحانه: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [ التوبة/122]. الشاهد قوله : ليتفقهوا في الدين ، هذا يشمل علم العقيدة، وعلم الفقه، وعلم الأخلاق، والآداب.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: " طلب العلم فريضة على كل مسلم" .
وقال: " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ".
وقول النبي – صلى الله عليه وسلم – وحيٌ من الله ، فأمره أمرٌ منه.
الله – سبحانه وتعالى – أمرنا بطاعته، فقال : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } [المائدة: 92، التغابن: 12]، وقال سبحانه : { وما آتاكم الرسولُ فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر:7]. وقال سبحانه: { وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحيٌ يوحى } [النجم:3،4].
فالمؤلف – رحمه الله – يحمد الله – تبارك وتعالى - ، ولكنه قال: من أمرنا بالتفقه في الدين ، ولم يقل الحمد لله ؛ كي يشير مع حمده لله في بداية تأليفه إلى موضوع الكتاب ، وهذا يسمى عند العلماء : براعة الاستهلال .
ما هي براعة الاستهلال ؟
هي أن يقدم المصنف في ديباجة كتابه - أي افتتاحية كتابه - جملة من الألفاظ يشير بها إلى موضوع كتابه.
مثل ما فعل المصنف هنا ، الهدف الأساس من هذه المقدمة أن يحمد الله ويصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -، لكن في أثناء حمده يأتي بكلمات يشير بها إلى موضوع الكتاب الذي يؤلفه .
علمنا من هذا أنه يشير إلى أنه يؤلف كتاباً في الفقه علمنا ذلك من قوله : أحمد من أمرنا بالتفقه في الدين .
والحمد: هو الثناء على المحمود، بجميل صفاته وأفعاله ؛ محبة وتعظيما .
تثني على المحمود الذي تحمده بذكر صفاته وأفعاله الحسنة ، مع المحبة والتعظيم. لا بد أن يكون مع الثناء محبة وتعظيم ؛ كي يكون حمداً. وهذا الحمد يكون بالقلب وباللسان.
ثم قال - رحمه الله -: ( وأشكر من أرشدنا إلى اتّباع سنن سيد المرسلين ) .
الشكر لمن هنا ؟ الشكر هنا لله – تبارك وتعالى - ؛ فالله – سبحانه وتعالى – هو الذي وضّح لنا طريق النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمرنا باتباعه.
ولعل المؤلف يشير بذلك إلى أن كتابه الفقهي هذا سيكون مبنياً على الكتاب والسنة، على طريقة النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو لم يذكر فيه المسائل الفقهية التي ذكرها العلماء باجتهادهم واستنباطاتهم ، إنما ذكر المسائل الفقهية التي صحّ دليلها أو أجمعوا عليها .
فالمؤلف حاول أن يسير على طريقة أهل الحديث في الفقه، التي تقدم الكتاب والسنة على كل شيءٍ مع اعتبارهم للمعاني، مع اعتبارهم لمعاني الآيات والأحاديث، ينظرون إلى العلل وإلى المعاني ، ويعتبرونها، ويبنون عليها فقههم ، هذه طريقة أهل الحديث.
فتعظيمهم للكتاب والسنة يجعلهم يقدمون الكتاب والسنة على كل شيء .
هنالك طريقة أخرى للفقه : طريقة أهل الرأي.
طريقة أهل الرأي هذه تعتمد على الرأي كثيراً في بناء فقهها، بل يصل الحال في البعض إلى تقديم الرأي على النقل! على الكتاب والسنة، ومن هنا جاء ذم السلف للرأي .
تعجبني كلمة قالها الإمام الأوزاعي – رحمه الله – في بعض أهل الرأي، قال: ما نقمنا على فلان أنه يرى ، كلنا يرى - يشير إلى أن القياس واستعمال الرأي في حال الضرورة كلنا نحتاج إليه ، لكن هذا عند الضرورة، عندما لا يوجد في المسألة كتاب ولا سنة ولا إجماع – قال: ولكنا نقمنا عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم فيخالفه إلى غيره. انتهى
هنا جاء الإنكار، مصيبة أن تترك الكتاب والسنة، وتقدم رأيك، هذا ضلال وأيما ضلال، أن تلويَ أعناق النصوص كي تتماشى مع رأيك، ومع عقلك، كما يفعل كثير من أهل الأهواء اليوم، هذه مدرسة ثانية، تسمى عند الفقهاء: مدرسة أهل الرأي. من أئمتها أبو حنيفة وتلاميذه.
مدرسة أهل الحديث من أئمتها: صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأئمة التابعين كفقهاء المدينة السبعة، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وغيرهم. وكذلك فقهاء بلادهم في أزمانهم كالأوزاعي في الشام، ومالك في المدينة، والليث في مصر، وعبد الله بن المبارك في خرسان، والثوري في الكوفة، وابن عيينة في مكة، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد ، كل هؤلاء من أئمة أهل الحديث.
كانوا يعظّمون الكتاب والسنة، ويقدمون الكتاب والسنة، ولا يستعملون القياس إلا عند الضرورة. عندما لا يوجد كتاب ولا سنة في المسألة.
والشكر: هو ظهور أثر النعمة على اللسان والقلب والجوارح، بأن يكون اللسان مقراً بالمعروف، ويكون القلب معترفاً بالنعمة، وتكون الجوارح مستعملة فيما يرضاه المشكور، هكذا يكون الشكر.
والشكر لله يكون بذلك كله، فلا بد من صرف النعمة التي أنعم الله بها عليك في طاعته، كي تكون شاكراً.
إذاً الشكر يكون بالجوارح ، بخلاف الحمد، الحمد لا يكون بالجوارح. هذا من أوجه الفروق بين الحمد والشكر ؛ الشكر يكون بالجوارح، تصلي قربة إلى الله – سبحانه وتعالى – كي تشكر له، لاحظوا – بارك الله فيكم – سلوك النبي – صلى الله عليه وسلم – وأفعاله، قال المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه -: قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. – أي لماذا تجهد نفسك لهذه الدرجة بالقيام، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! – فماذا أجاب عليه الصلاة والسلام؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.
يريد أن يكون شكوراً لله – تبارك وتعالى - فسمى النبي – صلى الله عليه وسلم – قيامه هذا قربة لله تبارك وتعالى ؛ سماه شكراً.
وقال الله – تبارك وتعالى -:{ اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور} [سبأ:13]. فالشكر يكون بالعمل كما يكون باللسان والقلب.
وأما الحمد فلا يكون بالعمل، فالشكر أعم من الحمد من هذا الوجه، والحمد أعم من وجه آخر، الحمد يكون من غير سبق إحسان، يعني تحمد المحمود أحسن إليك أو لم يحسن إليك ، بينما الشكر لا يكون إلا على الإحسان. فالحمد من هذا الوجه أعم من الشكر. هذا الفرق بين الحمد والشكر.
ثم قال المصنف – رحمه الله -: ( وأصلي وأسلم على الرسول الأمين، وآله الطاهرين، وأصحابه الأكرمين ) .
وأصلي وأسلم: أي أسأل الله أن يصلي ويسلم على سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى عند الملائكة، كما قال أبو العالية الرياحي، وهو إمام من أئمة التابعين، أدرك جمعاً من الصحابة.
والسلام: السلامة من الآفات والنقائص.
وآله الطاهرين: الآل إذا ذكروا من غير ذكر الأصحاب معهم، فالمقصود أتباعه على دينه، من قرابته وغيرهم؛ لأن الآل تأتي بمعنى الأتباع في اللغة، وأما إذا ذكر الأصحاب، كما هنا في قول المصنف، فتكون بمعنى : الأهل؛ فالآل تأتي بمعنى الأهل أيضاً كما تأتي بمعنى الأتباع.
إذا ذكرت لوحدها فهي تعني الأتباع لأنها أعم وأشمل، وأما إذا ذكر الآل مع الأصحاب فالآل تكون بمعنى: القرابة ، الذين آمنوا منهم.
والمؤلف – رحمه الله – صلى وسلم على النبي – صلى الله عليه وسلم – امتثالاً لقول الله - تبارك وتعالى -:{ إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً } [الأحزاب:56]. وكان – صلى الله عليه وسلم – يصلي ويسلم على نفسه في خطبه بعد الحمد.
ثم قال المؤلف – رحمه الله -: ( كتاب الطهارة ) .
كتاب: مصدر، يقال كتب يكتب كتابةً وكتاباً.
ومادة كتب في اللغة العربية تدل على معنى الجمع والضم، لذلك سميت كتيبة الجيش: كتيبة؛ لأنها تجمع وتضم مجموعة من أفراد الجيش.
استعمل العلماء ذلك فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل، والجمع والضم فيه حاصل على الحروف والكلمات وعلى المعاني.
الجمع والضم في الكتاب: كتاب الطهارة حاصل على جمع وضم الحروف والكلمات، وجمع وضم المعاني التي ترتبط بمسألة الطهارة.
والمراد هنا من حيث المعنى جمع وضم الأبواب والمسائل المتعلقة بالطهارة.
وتعريف الكتاب اصطلاحاً: اسم لجملة مختصة من العلم، مشتملة على أبواب وفصول غالباً.
الجملة المختصة من العلم عندنا هنا هي الطهارة. وهذا الكتاب كتاب الطهارة مقسم إلى فصول وأبواب كما سيأتي .
وهذا حال الكتب في الكتب الفقهية والحديثية المبوبة على الكتب الفقهية، في الغالب الكتاب يكون مقسماً إلى أبواب وفصول.
أما الطهارة لغة: فهي النظافة والتنزه عن الأدناس التي هي الأوساخ. الطهارة لغة: النظافة، هذا من حيث اللغة. طهِّرْ المكان: أي نظّفه.
وأما في الشرع فتطلق على معنيين: طهارة القلب من الشرك في العبادة، وهذا محله كتب الاعتقاد، والمعنى الثاني وهو المراد هنا: رفع الحدث وإزالة النجاسة أو ما في معناهما.
رفع الحدث:
الحدث: هو ما يوجب الوضوء أو الغسل. الحدث عندنا هنا في المعنى الشرعي ما يوجب الوضوء أو الغسل، هذا يسمى حدثاً. ما يوجب الوضوء يسمى الحدث الأصغر، كخروج الريح أو قضاء الحاجة.
وما يوجب الغسل يسمى الحدث الأكبر، كالجنابة.
صحّ عن عبَيدة السلماني وهو أحد كبار علماء التابعين من تلاميذ علي بن أبي طالب، وابن مسعود وغيرهما، أنه سئل: ما يوجب الوضوء؟ قال الحدث. ويعني به الحدث الأصغر.
والنجاسة في اللغة: القذر. وفي الشرع: كل عين يجب التطهر منها ، مثل البول والبراز.
هذه عين : شيء موجود يجب أن تتنظف منه، تتطهر منه، الذي أوجب عليك ذلك هو الشارع، هو الله – سبحانه وتعالى -، فإذا أوجب الله عليك أن تتنظف من شيء فهو نجاسة غالبا .
وقولنا: أو ما في معناهما، كتجديد الوضوء مثلاً، لو نظرت إلى تجديد الوضوء، ليس هو برفع حدث ولا إزالة نجاسة أيضاً، لكنه في معنى ذلك.وهذا أيضاً يدخل في الطهارة: تجديد الوضوء.
هذا معنى كتاب الطهارة، جمع المصنف في هذا المبحث كل ما يتعلق بالطهارة من المسائل الفقهية التي صحّ دليلها.
لماذا بدأ المؤلف بكتاب الطهارة؟ إذا نظرت في كتب الفقه تجدهم أو غالبهم يبدأ بكتاب الطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج ".
بهذا الترتيب الذي ذكره النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد الفقهاء أن يرتبوا كتبهم ، بعض كتب الحديث يبدأ أصحابها بالمسائل العقائدية: الإيمان، التوحيد، ثم يبدءون بالطهارة، فالصلاة ، بعضهم يبدأ بالطهارة فالصلاة، الفقهاء يبدءون بالطهارة فالصلاة ؛ لأن كتب العقيدة أفردت عن كتب الفقه. ويبدءون بالطهارة قبل الصلاة ؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بالطهارة ، فكان لا بد أن يقدموا الطهارة على الصلاة ؛ لذلك قدّم المؤلف وغيره من الفقهاء الطهارة على الصلاة ، ثم تابعوا على حسب الترتيب الوارد عندهم في الحديث ، فبدءوا بالأهم فالمهم أو بما لا يصح المهم إلا به.