الدرس الرابع

[المجلس الرابع]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، هذا المجلس الرابع من مجالس شرح الدرر البهية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى : فصلٌ
الفصل لغة الحجز بين الشيئين ومنه فصل الربيع لأنه يحجز بين الشتاء والصيف وهو في كتب العلم كذلك لأنه يحجز بين أجناس المسائل وأنواعها أو يقال في تعريفه : هو اسم لجملة مختصة من الباب .
قال المؤلف رحمه الله :((ويَطهُر ما يتنجس بغسله حتى لا يبقى لها عينٌ ولا لون ولا ريح ولا طعم والنعل بالمسح)) اعلموا بارك الله فيكم أن نجاسة الشيء إما أن تكون حُكمية كالبول إذا وقع على الثوب ، يوصف الثوب هنا بأنه نجس ويُحكم عليه بذلك شرعاً بسبب البول الذي وقع عليه ، الثوب في أصله ليس بنجس ولكنه تنجَّس بسبب وقوع البول عليه فهذه نجاسة الثوب تسمى نجاسة حُكمية والثوب يسمى ثوباً متنجساً ، وإما أن تكون النجاسة عينية أي عين الشيء نجسة كالروث مثلاً روث الحمار ،نفس الروثة هذه نجسة، أما النوع الأول من النجاسة فيَطهر بالكيفية التي ورد في الشرع أنه يطهر بها ، فإذا وردت كيفية معينة في تطهيره كان علينا أن نقتصر على تلك الكيفية بلا زيادة ولا نقصان كما ورد مثلاً في تطهير النعل إذا تلوث بنجاسة طهُر بمسحه في التراب وقد تقدم معنا هذا الحديث في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :" إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى فإن التراب له طهور" أخرجه أبو داود ، وكذلك ذيل المرأة في لباسها إذا كان طويلاً من الخلف وله ذيل إذا مشت في الطريق وأصابته نجاسة يُطهره ما بعده كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك دم الحيض يطهر بالكيفية التي وردت في السنة ، سئل - صلى الله عليه وسلم - : المرأة يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به ؟ ، قال - صلى الله عليه وسلم - :" تَحُتُّه ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " تَحته أي تحكه لإزالة عين الدم ، تقرصه : أي تدلك الدم بأطراف أصابعها ليتحلل ويخرج ما شربه الثوب منه ، تنضحه أي تغسله بالماء ،وكذلك تقدم معنا كيفية غسل بول الذكر الرضيع .
وأما ما ورد فيه عن الشارع أنه نجس ولم يرد فيه بيان كيفية تطهيره فالواجب علينا إذهاب تلك العين حتى لا يبقى لها لون ولا ريح ولا طعم، هذا هو الواجب لأن الشيء الذي يجد الإنسان ريحه أو طعمه قد بقي فيه جزء من تلك العين ، بما أن الرائحة موجودة أو الطعم إذاً فيوجد من تلك العين على هذا المكان ما لم يذهب بعد وإن لم يبقَ جِرمها أو لونها ، وإن كان الكتلة هذه أو اللون لا تراه إلا أنها تكون حقيقة موجودة مع بقاء الطعم أو الريح إذ انفصال الرائحة لا يكون إلا عن وجود شيء من ذلك وكذلك وجود الطعم لا يكون إلا عن وجود شيء من ذلك الشيء الذي له الطعم .
ثم قال المؤلف رحمه الله : ((والاستحالة مطهِّرة لعدم وجود الوصف المحكوم عليه)) الاستحالة مُطهرة ، هذا النوع الثاني من النجاسات ليس النجاسة الحُكمية ، ذكرنا النجاسة الحكمية كيفية التطهر منها أما النجاسة الآن النجاسة العينية فإذا كانت هذه العين نجسة كيف تطهر؟ لا يمكن أن تطهر إلا بالاستحالة ، ما المقصود بالاستحالة ؟ الاستحالة هي التحول أي تغير الشيء عن طبعه ووصفه فيصير شيئاً آخر كتحول العذرة إلى رماد ، العذرة إذا تحولت إلى رماد هنا تكون قد تغيرت حقيقتها ، كانت عذرة ثم صارت رماداً وتحول الخنزير إلى ملح مثلاً ، كان خنزيراً فصار ملحاً هنا هذا التحول غيّر الحقيقة تماماً ، كان نجساً ثم تغير إلى الحقيقة الأخرى فيُعطى حكم الحقيقة الجديدة .إذاً فلا بد أن تتحول إلى شيء آخر مخالف للشيء الأول في لونه وريحه وطعمه .
عندما ذكر المؤلف ذكر علة الطهارة هنا لماذا طهرت؟ قال في كلامه : لعدم وجود الوصف المحكوم عليه في الأصل ، أي لأن الوصف الذي وقع الحكم عليه بالنجاسة فُقد لا يوجد ، الوصف وصف النجاسة وقع على العذرة نفسها ، الآن هذه العذرة نفسها غير موجودة،الذي وجد عندنا الآن ماذا؟هو الرماد .
ثم قال رحمه الله:((وما لا يمكن غسله فبالصب عليه أو النزح منه حتى لا يبقى للنجاسة أثر)) شيء لا يمكن أن يُغسَل كالأرض مثلاً أو البئر، هذا لا يمكن أن يغسل، كيف نصنع كي نزيل النجاسة عنه؟ أما الأرض نصب عليها ماءً كما جاء في حديث الأعرابي عندما بال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بماء فصب على بوله ، هكذا تطهر الأرض ، وأما البئر فإما بالنزح منه،ونعني بالنزح أي التفريغ ، التفريغ من البئر سحب المياه المتنجسة حتى يطهر أو بإضافة مياه طاهرة على ماء البئر حتى يذهب تأثير النجاسة ، بهذه الطريقة يَطهر البئر ، فقال: وما لا يمكن غسله فبالصب عليه أو النزح منه حتى لا يبقى للنجاسة أثر ، فإذا ذهب لونها أو ريحها أو طعمها ذهب هذا الأثر الموجود عندئذ يكون الشيء قد طهر .
ثم قال رحمه الله:(( والماء هو الأصل في التطهير فلا يقوم غيره مقامه إلا بإذن من الشارع )) الأصل في تطهير النجاسات هو الماء لأن الماء كما تقدم وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأنه مطهِّر فإذاً يبقى هو الأصل في التطهير إلا إن وُجد دليل من الكتاب والسنة يدل على أن غيره مطهر للنجاسة فعندئذ نتوقف مع الدليل كالأشياء التي وردت بأن التراب مثلاً ينظفها ويزيل النجاسة عنها فمثل هذا نقول يطهره التراب ، وذهب جمهور علماء الإسلام إلى أن الماء هو المتعين في تطهير النجاسات وهذا صحيح في غير ما ورد الدليل بخلافه. ومَن أثبت مطهِّر لم يرد في الكتاب والسنة أنه مطهر للنجاسة أو تطهير على غير الصفة الثابتة في الكتاب والسنة فقوله مردود لمخالفته الأدلة والله أعلم.


ثم قال رحمه الله: باب قضاء الحاجة
قضاء الحاجة يعني الذهاب إلى الخلاء لإخراج البول أو الغائط ، هذا معنى قضاء الحاجة يريد المؤلف أن يذكر أحكام وآداب ذلك قال رحمه الله :((على المتخلي الاستتار حتى يدنو من الأرض )) على المتخلي أي الذي ذهب إلى الخلاء ليقضي حاجته يجب عليه أن يستتر حتى يقترب من الأرض ،ينزل ويجلس ويقترب من الأرض كي يحافظ على ستر عورته ، جميع الأدلة التي وردت في وجوب ستر العورة تدل على ذلك عموماً ، قول الله تبارك وتعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم }وقال - صلى الله عليه وسلم - :"احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " هذه الأدلة وما شابهها كلها تدل على أنه يلزم على الشخص أن يحافظ على ستر عورته إلى أن يصل إلى درجة يغلب على ظنه أن أحداً لن يراها ، جاء في ذلك حديث أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" لكن هذا الحديث حديث ضعيف لا يصح وكذلك الحديث الآخر "من أتى الغائط فليستتر "كذلك هو ضعيف لا يصح ، لكن الأدلة التي ذكرناها كافية في ذلك ، بالطبع هذا الكلام ينطبق على من كان في الخلاء أما من كان في مكان مغلق فله أن يرفع ثوبه قبل أن يجلس لأنه آمن على نفسه من أن يراه أحد .


ثم قال رحمه الله:(( والبُعد ودخول الكنيف )) أي على المتخلي أيضاً البعد (المراد بالبعد هنا البعد عن الناس) ودخول الكنيف إذا لم يكن بعداً فدخول الكنيف (مكان يكون محافظاً فيه على الستر ) الكنيف أصله الحظيرة التي تُعمل للإبل فتُكنُّها من البرد أي تحفظها ، هذه الحظيرة تحفظ الإبل من البرد ، ثم نقلوا ذلك إلى ما حضّروه وجعلوه موضعاً للحدث (نقلوا هذه التسمية إلى المكان الذي جعلوه لقضاء الحاجة، صار يسمى كنيفاً الذي نسميه نحن اليوم حماماً) الحمام قديماً عند العرب كانوا يطلقونه على الحمام الذي يغتسلون فيه ويتنظفون فيه ولا يطلقونه على مكان قضاء الحاجة يعني الحمامات التي نسميها نحن اليوم الحمامات البخارية هذه كانوا يسمونها حمامات، ومحل قضاء الحاجة كانوا يسمونه كنيفاً أما اليوم فنحن نسمي ذاك حماماً بخارياً وهذا حمام بدون تقييد . أخرج أبو داود وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذهب المذهب أبعد ، هذا الشاهد في قول المؤلف رحمه الله ((والبُعد)) يعني وعلى المتخلي البعد أي الابتعاد عن أعين الناس شاهده ودليله هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ذهب المذهب أبعد ،أي إذا ذهب لمحل قضاء حاجته أبعد عن أعين الناس وكذلك أخرج أبو داود وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد ،وهذان الحديثان فيهما كلام لكن أحدهما يشهد للآخر ويدعمه فيكون حسناً إن شاء الله ، وجاء عن المغيرة بن شعبة في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بال عند سُباطة قومٍ أي عند مزبلتهم وهذا يكون قريباً من الناس وكذلك رآه ابن عمر على سطح بيت حفصة جالساً على لبنتين يقضي حاجته وهذا قريب أيضاً من الناس فكيف الجمع بين هذه الأحاديث ؟ الجمع بينها أنه إذا دخل كنيفاً أو كان في مكان وإن كان قريباً على الناس إلا أنه يأمن من أن يراه أحد وتكون أيضاً الروائح والأشياء هذه بعيدة عن الناس عندئذ يجوز حتى وإن كان قريباً من الناس أن يقضي حاجته في ذلك المكان أما إذا لم يأمن على نفسه من انكشاف عورته أمام الناس أو كانت الرائحة ستؤذي الناس عندئذ نقول يجب أن يبتعد عن الناس عند قضاء الحاجة ، بهذا نكون قد جمعنا بين جميع الأدلة .


ثم قال رحمه الله:(( وترْك الكلام)) أي عند قضاء الحاجة، على المتخلي ترك الكلام (أي عند قضاء الحاجة يجب على المتخلي ترك الكلام) وهذا لِما أخرجه أبو داود وغيره عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول :" لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان فإن الله عز وجل يمقت على ذلك" هذا الحديث اختُلف في صحته والصحيح أنه ضعيف ومضطرب وفيه راوٍ مجهول، فإذا كان الحديث ضعيفاً ولا يوجد ما يدل على تحريم الكلام عند قضاء الحاجة يبقى الأمر على الإباحة بناء على الأصل ، لأن الأصل في هذه الأشياء الإباحة فنبقى على الأصل إذ لا يوجد ما يدل على خلافه ، ويُكره ذكر الله سبحانه وتعالى أو رد السلام لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - امتنع من رد السلام على رجل وهو يبول ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبول فمر به رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام حتى قضى حاجته ثم تيمم ثم رد عليه السلام بعد ذلك وهذا يدل على كراهية رد السلام أو ذكر الله سبحانه وتعالى على تلك الحالة .


ثم قال :((والملابسة لِما له حُرمة )) أي على المتخلي ترك الملابسة لما له حرمة مثل المصحف مثلاً يكون في جيبه أو الخاتم يكون مكتوباً عليه ذكر الله سبحانه وتعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم - فهذه الأشياء لها حرمة ، يقول المؤلف: يجب على المتخلي أن لا تكون هذه الأشياء معه وذلك لحديث أنس أخرجه أبو داود وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه أي نزعه من يده ولم يدخل الخلاء به ولكنه حديث ضعيف أعلّه غير واحد من أهل العلم ومنهم أبو داود الذي أخرج الحديث وبما أن الحديث ضعيف وليس في ملابسة هذه الأشياء إهانة لها أو امتهان لها فيبقى الأمر على الجواز إذ لا يوجد ما يدل على التحريم لكن لا شك أن الخاتم إذا كان في اليد اليسرى يجب أن يُنزع لأن النجاسات ستلاقيه على تلك الحال فيجب أن ينزع إذا كان في اليد اليسرى التي سيستنجي بها الشخص، أما إذا كان المصحف في جيبه محفوظاً بعيداً عن الأذى فلا بأس والله أعلم .


وقال رحمه الله :((وتجنب الأمكنة التي منع عن التخلي فيها شرعٌ أو عرف)) وذلك لأنه صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله :" اتقوا اللاعنين " قالوا : وما اللاعنان يا رسول الله ؟ قال :" الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم"يعني الذي يقضي حاجته في طريق الناس المكان الذي تمشي فيه الناس أو في ظلهم أو في المكان الذي يستظلون به ويجتمعون فيه ،هذا داخل في هذا الحديث ومعرض لنفسه للعن ، يعني اللاعنين أي الموضعين اللذين يستحق الشخص عند قضائه الحاجة فيها يستحق اللعنة من قِبل الناس لذلك سميت هذه الأماكن باللعنة فيجب على الشخص أن ينصرف ويبتعد عن هذه الأماكن ولا يقضي فيها حاجته. ووردت أحاديث أُخَر أيضاً فيها ضعف ولكن هذا الحديث يدل على تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو في المكان الذي يستظلون به وما كان في معنى هذه الأمكنة كـ حول الأنهار مثلاً وحول الآبار وفي أفنية الناس وكل ما يتأذى الناس من قضاء الحاجة فيه يدخل في هذا الحديث بالمعنى وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يبول أحدنا في مغتسله أي المكان الذي يغتسل فيه ، قال أهل العلم : وإنما نهي عنه إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول ، النهي عن البول في المغتسل نهي عنه إذا لم يكن له مسلك ليسلك فيه البول -يعني يمشي- يعني ما له مجرى يجري فيه البول ، يعني إذا كان المكان البول إذا نزل يثبت فيه فهنا وارد النهي أما إذا كان له مجرى يجري هذا البول ويمشي وينصب عليه الماء ويغير المكان فهذا لا بأس به ، ففصّلوا بهذا التفصيل لأن المكان الذي فيه مجرى يتغير فيذهب البول ويأتي الماء النظيف مكانه وينتهي أمره أما إذا كان البول يتجمع في المكان فسيبقى البول وسيمس شيء منه جسد الإنسان . وكذلك أيضاً نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبال في الماء الراكد وقد تقدم معنا ذلك.


قال رحمه الله:((وعدم الاستقبال والاستدبار للقبلة)) الاستقبال أن تجعل القبلة أمامك عند قضاء الحاجة، والاستدبار أن تجعلها خلفك عند قضاء الحاجة ، ورد في ذلك أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منها حديث أبي أيوب قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولكن شرّقوا أو غرِّبوا" هذا الخطاب لأهل المدينة ومن كان على نفس المكان إذا شرّق أو غرّب يكون بعيداً عن استقبال القبلة أو استدبارها أما غيرهم فيراعون هذا الأمر ، المهم في القضية أنك لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها . وجاء في حديث سلمان أيضاً "نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن نستقبل القبلة بغائط أو بول " وجاء أيضاً في هذا الباب عن ابن عمر أنه قال :" لقد ارتقيت على ظهر البيت -أي بيت حفصة- فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته ،فإذا كان مستقبلاً لبيت المقدس لقضاء حاجته فهو مستدبر للكعبة ، هذا الحديث خالف الأحاديث الأولى ففِعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا خالف نهيه ، وجاء عن جابر أيضاً أنه رآى النبي - صلى الله عليه وسلم - يبول مستقبلاً القبلة ، فاختلفت أقوال العلماء وآراؤهم في طريقة الجمع بين هذه الأحاديث على أقوال ذكرها أصحاب الكتب المطولة ومنهم الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري لكن أصح هذه الأقوال الذي فيه العمل بجميع الأدلة وليس فيه إهمال لأي دليل منها هو قول الإمام الشافعي والإمام البخاري وابن المنذر وجمهور علماء الإسلام وهو التفريق بين الصحاري والبنيان أي يجوز استقبال القبلة أو استدبارها في البنيان عملاً بحديث ابن عمر رضي الله عنه ولا يجوز في الصحاري عملاً بحديث أبي أيوب وغيره، إذاً فحملنا حديث أبي أيوب على الصحاري وحملنا حديث ابن عمر على البنيان وبذلك نكون قد جمعنا بين الأحاديث وهذا أولى ممن أعمل بعض الأحاديث وأهمل البعض الآخر فلا إشكال بأن الأَوْلى هو العمل بجميع الأدلة وعدم إهمال أحدها ومن أراد المزيد بإمكانه أن يرجع إلى فتح الباري أو غيره من الكتب المطولة .


ثم قال رحمه الله :((وعليه الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة أو ما يقوم مقامها )) الاستجمار استعمال الجِمار وهي الأحجار للتنظف من البول والغائط بعد قضاء الحاجة ، جاء في حديث سلمان قال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار وعن الاستنجاء برجيعٍ أو عظم إذاً نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار ، إذاً يجب أن يكون الاستنجاء أقل ما يكون بثلاثة أحجار لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أقل من ذلك، فالواجب هو التمسح بثلاثة أحجار، وإن حصل الإنقاء بما دونها،وإن حصل الإنقاء والتنظف بما هو أقل من ثلاثة أحجار بحجر أو بحجرين فهنا لا يكتفي بذلك بل يأتي بالحجر الثالث ويتنظف به كي يعمل بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجتنب نهيه، وإن لم يحصل الإنقاء بثلاثة أحجار هل له أن يزيد ؟ نعم له أن يزيد لأن الغاية الأساسية هو التنظف فإذا لم يحصل التنظف بثلاثة أحجار يزيد الرابع ويُستحب له أن يزيد الخامس أيضاً وإن حصل الإنقاء بالرابع لماذا ؟ للحفاظ على الوتر على ماذكره الإمام الشافعي رحمه الله.


وقول المؤلف :((وما يقوم مقامها )) أي ما يقوم مقام الأحجار في التنظيف لأن المطلوب هو الإنقاء والتنظف فبأي شيء حصل جاز، مثل المناديل الورقية الموجودة اليوم تجزئ في الاستنجاء، وإذا استعمل الماء وترك الاستنجاء أجزأه لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى حاجته واستنجى بالماء، ولا يجوز الاستنجاء برجيعٍ وهو الروث ولا بعظم لأنه كما جاء في حديث سلمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وعن الاستنجاء برجيع أو عظم ، وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً أنه نهى عن الاستنجاء باليمين، هذا في حديث في الصحيحين وكذلك نهى - صلى الله عليه وسلم - عن مس الذكر باليمين عند البول ، هذا كله من آداب قضاء الحاجة.


ثم قال رحمه :(( ويُندب الاستعاذة عند الشروع بها )) أي عند البدء بقضاء الحاجة والاستغفار والحمد بعد الفراغ .ويُندب أي يستحب ، الاستعاذة هي أن يقول : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث كما جاء في الحديث عن أنس قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال :" اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث " وفي رواية قال :" كان إذا أراد أن يدخل " يعني قبل أن يدخل إلى الخلاء وهذا الحديث متفق عليه ، والخبث والخبائث ذُكران الشياطين وإناثهم ، إذا دخل استعاذ بالله قبل أن يدخل كي لا يضروه وتقصير الناس بالسنة في هذا الزمن أدى إلى عواقب سيئة كثرة المتضررين من الجن الموجودين في مثل هذه الأماكن،هذا كثير وكثير جداً صار بين الناس اليوم بسبب تركهم لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه فكم سمعنا من أناس أصيبوا وضُربوا من قِبل الجن عند دخولهم إلى أماكن قضاء الحاجة وذلك لأن أكثر الناس للأسف بعيدين عن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - والعمل في مثل هذه الأحاديث . وأما الاستغفار والحمد بعد الخروج فوردا في حديثين ضعيفين أيضاً جاء في حديث عائشة كان - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال :"غفرانك " هذا الحديث فيه يوسف بن أبي بردة وهو مجهول كان شيخنا رحمه الله يضعِّفه ، والحمد أخرج ابن ماجة من حديث أنس قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال :" الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" وهو أيضاً حديث ضعيف فيه اسماعيل بن مسلم ضعيف ونقل صاحب الزوائد الاتفاق على تضعيفه ، وجاء من حديث أبي ذر ولا يصح أيضاً هو ضعيف رجَّح الدارقطني رحمه الله وقفه على أبي ذر .
ونكتفي بهذا القدر في هذا الدرس والحمد لله