الدرس الثامن عشر
[المجلس الثامن عشر]
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله أما بعد: فهذا الدرس الثامن عشر من دروس شرح الدرر البهية
قال المؤلف رحمه الله تعالى : باب سجود السهو
((وهو سجدتان قبل التسليم أو بعده، وبإحرامٍ وتشهُّدٍ وتحليل)) سجود السهو سجدتان آخر الصلاة، إما قبل التسليم أو بعده، فإن سجدتَ قبل التسليم أو بعده صح بالإجماع (بالاتفاق) إنما حصل الخلاف بين أهل العلم في الأفضلية، على نزاع بينهم، البعض فرَّق بالزيادة والنقصان، قال: إذا كان زيادة يُسجد بعد التسليم وإذا كان نقص يُسجد قبل التسليم ..إلخ من اجتهادات أهل العلم، لكن كلهم اتفقوا على أنك إن سجدت قبل أو سجدت بعد، فسجودك صحيح، هي تكون إرغاماً للشيطان كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكون بسبب زيادة أو نقص أو شك، إما زيادة في الصلاة من جنسها أو نقص أو بسبب شكٍ يقع من المصلي.
وأما قول المصنف رحمه الله:(( وبإحرامٍ)) أي بتكبير فقد صح ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة في ذكر قصة ذي اليدين، قال في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال:" فرجع فصلى الركعتين الباقيتين" بعد أن سلم من الركعتين فقيل له قصُرَت الصلاة أم نسيت؟ فقال:" لا هذا ولا ذاك" فتبيَّن له أنه نسي فعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلَّم ثم كبَّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم كبَّر فرفع رأسه، ثم كبَّر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه . متفق عليه، فهذا يدل الحديث على أن سجود السهو فيه تكملة، وقول المصنف رحمه الله : ((وتشهُّد)) وردت بذلك أحاديث ولكن كلها ضعيفة لا يصح منها شيء ، والأحاديث التي في الصحيحين ليس فيها ذكر التشهد، فالتشهد في سجود السهو لا يصح، وأما قوله : ((وتحليل)) يعني وتسليم، فهذا ورد في الصحيحين وغيرهما أنه - صلى الله عليه وسلم - سجد ثم سلَّم، منها حديث عبد الله بن مسعود قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - خمساً، فقالوا: إنك صليت خمساً، فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلَّم ثم قال:" إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين" متفق عليه.
قال المؤلف رحمه الله:((ويُشرع لِتَرك مسنون. وللزيادة ولو ركعة سهواً. وللشك في العدد)) يعني متى تحتاج أن تسجد سجدتي السهو؟ الصحيح أنه يُشرع عند كل سهوٍ لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم:" فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين"، إذاً يكون السجود عند كل نسيان، سواء كان هذا المَنسي زيادة أو نقص أو شك، وكذلك يُشرع عند الشك في عدد الركعات، جاء في الحديث، حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدْرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك ولْيَبْنِ على ما استيقن" ما هو الذي استيقنه الآن؟ إذا شك أصلى ثلاثاً أم أربعاً، ما هو اليقين عنده؟ ثلاث، فليبنِ على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، أي يتم بعد الثلاث يأتي بالرابعة ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعنَ له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربعٍ كانتا ترغيماً للشيطان .
هذا إذا لم يغلب على ظنه شيء بعد الشك، شككت وبقي الشك عندك متساوياً، أصليت ثلاثاً أم أربعاً؟ الأمر عندك متساوٍ تماماً، ما غلب على ظنك شيء، فهنا تفعل كما جاء في حديث أبي سعيد، أما إذا غلب على ظنك شيء فتأخذ بحديث ابن مسعود في الصحيحين، قال - صلى الله عليه وسلم - :" وأيُّكم ما شك في صلاته فليتحرَّ الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين"، فليتحرَّ الصواب: أي إذا استطاع أن يصل إلى غلبة ظن في الأمر، عندئذ يبني على ما غلب على ظنه، إن شك في صلاته أهي ثلاث أم أربع التي صلاها؟ غلب على ظنك أنها أربع، تكمل أربع ثم بعد ذلك تسلِّم ثم تسجد سجدتين، وإذا غلب على ظنك ثلاث، تكمل الرابعة ثم تسلم ثم تسجد سجدتين، إذاً عندنا حال بغلبة الظن وعندنا حال لاستواء الطرفين، الشك، لا يوجد غلبة ظن، في حال استواء الطرفين تأخذ بما تستيقن بالأقل، في حال غلب على ظنك شيء تأخذ بما غلب على ظنك وتكمل.
قال المؤلف رحمه الله:((وإذا سجد الإمام تابَعه المؤتم)) وذلك لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمتابعة الإمام، فقال - صلى الله عليه وسلم - :" إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه"، وكذلك أنت إذا سهوت فلا تسجد وحدك بل يتحمل عنك السجود الإمام، لأنك مأمور أن لا تختلف على إمامك، فليس مطلوباً منك أن تسجد للسهو وأنت خلف الإمام، أما موضع السجود فكما تقدم معنا، الصحيح أن المصلي مخيَّر بين أن يسجد قبل السلام أو بعده، فكله قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد سجد قبل السلام وأنه سجد بعد السلام.
قال المؤلف رحمه الله: باب القضاء للفوائت
القضاء في اللغة هو الحُكم والفصل ويأتي بمعنى الأداء ، هذا في اللغة.
أما في الاصطلاح عند الأصوليين: فهو إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عيَّنه الشَّرْع لمصلحة فيه.
عندنا ثلاثة أمور هنا: الأداء والقضاء والإعادة.
تفصيل القول فيها من مباحث أصول الفقه، لكن نحن نذكر الآن ما نحتاجه منها فقط
_ القضاء: إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عينها الشرع لمصلحة فيه.
_ الأداء : إيقاع العبادة في وقتها المعيَّن لها شرعاً.
__ الإعادة: ما فُعل ثانياً في وقت الاداء للخلل في الفعل الأول.
عندنا عبادة شرعها الله تبارك وتعالى وشرع لها وقتاً معيَّناً، لا يريد منك أن تؤدي العبادة إلا في هذا الوقت، كصلاة الظهر مثلاً، تبدأ بزوال الشمس وتنتهي بأن يصبح ظل الشيء مثله، فلنقل تقريباً الساعة الثانية عشر إلا عشر دقائق يبدأ وقتها وينتهي الساعة الثانية والنصف تقريباً، فهنا عيَّن الشارع هذا الوقت لأداء هذه الصلاة، فإن فعلتَ العبادة داخل في ضمن هذا الوقت يسمى هذا أداءً، فالأداء: إيقاع العبادة في وقتها المعيَّن ( أي الذي عينه الشارع) لها شرعاً.
هذا يسمى أداءً، فإن صليت الظهر في هذا الوقت يقال لك: أدَّيت الصلاة.
هذا بالنسبة للأداء
أما القضاء: إيقاع العبادة خارج وقتها الذي عيَّنه الشرع لمصلحة فيه، فإذا صليت الظهر بعد الثانية والنصف، فهنا تكون قد قضيتها قضاءً لا أداءً، وإن صليت الظهر مثلاً قبل وقتها فلا تُقبل منك، لكن إن صليتها بعد وقتها وكانت قد فاتتك لعذر كما سيأتي، عندئذ تسمى قضاءً .
أما الإعادة: فهي أن تفعل العبادة في وقتها، لكن ما الفرق بينها وبين الأداء؟
الأداء تفعل العبادة مرة واحدة، تسمى مؤدياً لها وفعلك لها أداء، أما الإعادة فتَفعل العبادة مرة ثانية، وفي داخل نفس الوقت، ولكنك تفعلها مرة ثانية لماذا؟ لخللٍ في الأولى، هذا يسمى إعادة.
هذا هو الفرق بين القضاء والأداء والإعادة.
فالآن المؤلف رحمه الله يقول:باب القضاء للفوائت
الفائتة ما هي؟
العبادة التي خرج وقتها ولم تؤدَّ فيه، عبادة خرج وقتها ولم تؤدَّ فيه، تسمى فائتة.
قضاء الفوائت
قال المؤلف رحمه الله:(( إن كان الترك عمداً لا لعذرٍ فدَيْنُ الله تعالى أحق أن يُقضى))
مسألة مهمة تتعلق بمبحثٍ من مباحث أصول الفقه، _ أصول الفقه مهم جداً لطالب العلم كما ذكرنا في دروس أصول الفقه، هو علم مهم ومفيد ولا يمكن لطالب العلم أن يكون مجتهداً إلا بإتقانه، لكن فيه بعض ما ليس منه كعلم الكلام والمسائل التي تتعلق به، وعلم المنطق والمسائل التي تتعلق به، وبعض المباحث التي ليس من ورائها عمل، هذه تعتبر غريبة عن علم أصول الفقه، فينبغي أن لا يشغل المرء نفسه بها، ولكن المراد والذي نحث عليه هو تعلُّم أصول الفقه الذي ينفعك في استنباط الأحكام الشرعية من أدلة الكتاب والسنة، والمباحث التي تعينك على فهم أدلة الكتاب والسنة، هذا هو أصول الفقه الذي ننصح بدراسته_ الآن المسألة التي بين أيدينا، الفائتة إما أن تكون فاتت لعذرٍ كما سيأتي، وإما أن تكون فاتت لغير عذرٍ، كتكاسل مثلاً، أو كما يقول لك بعض الناس: كنتُ في السوق أو كانت عندي سهرة أو كنت في السيارة أو أشباه ذلك من الأعذار التي هي ليست بأعذار ولا هي مقبولة عند الله تبارك وتعالى، مَنْ ترَك الصلاة حتى خرج وقتها لغير عذرٍ، هل يحتاج إلى أمرٍ جديدٍ من الشارع كي يقضي هذه الصلاة ؟ أم يكفيه الأمر الأول الذي ورد في الأمر بأدائها؟
محل خلافٍ بين الأصوليين، يعني بطريقة أسهل، أمرنا الله تبارك وتعالى بأن نصلي الظهر، أمرنا أن نصليها في وقتها الذي حدده الشارع، الآن تركها الشخص وأخرجها عن وقتها عمداً لغير عذر، هل له أن يذهب ويصليها خارج الوقت؟ بناءً على أن الله سبحانه وتعالى قد أمره بها في داخل الوقت؟ أم يحتاج إلى أمرٍ جديد يبين له أنها مطلوبة أيضاً خارج الوقت إن تركتها لغير عذر؟
هذه هي المسألة، وجمهور علماء الأصول على أنه بحاجة إلى أمرٍ جديد كي يدلنا على أنها مطلوبة منه خارج الوقت، يعني بطريقةٍ أسهل: الله سبحانه وتعالى عندما طلب منا أن نصلي الظهر في هذا الوقت أراده لمصلحة معيَّنة يعلمها هو سبحانه وتعالى، إذاً المصلحة تتحقق بأن تصلي الظهر في وقته، فنحن بحاجة إلى أمرٍ جديد كي يبيِّن لنا أن المصلحة موجودة خارج الوقت، فإذا لم يأتِ أمرٌ دل ذلك على أن المصلحة مرتبطة بالوقت المعيَّن الذي حدده الشارع، إذاً الراجح من كلام أهل العلم وهو قول الأكثر، أنه بحاجة إلى أمرٍ جديد كي يُقبل منه أن يصلي الصلاة في خارج وقتها، وهؤلاء الذين رجحوا هذا القول (الذين رجحوا القول الأول قالوا: متى ما فاتت عليه يصليها في أي وقت ليس هناك إشكال) لكن الذين قالوا: هو محتاج لأمرٍ جديد، اختلفوا في الصلاة هل فيها أمرٌ جديد يدل على وجوب قضاء الصلاة إن تركها لغير عذر ؟ أم لا يوجد؟ الكثير منهم قال: يوجد، قالت لهم الفرقة الثانية: أين هو؟ قالوا: حديث "فَدَيْنُ الله أحق أن يُقضى" هذا الحديث في الصحيح متفق عليه، جاء فيه عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: إن أمي ماتت وعليها صوم شهرٍ، أفأَقضيه عنها؟ قال:"نعم، فدَين الله أحق أن يُقضى"متفق عليه، قالوا: الصلاة الفائتة من دَيْن الله، إذاً فهذا دليلٌ جديد يدل على أنه يجب عليه أن يقضي الصلاة التي تركها لغير عذر، ولكن الصحيح أن هذا الدليل ليس بدليل، لماذا؟ لأن هذا الدليل جاء في حق المعذور، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أصلاً ذكر هذا الحديث في النذر المطلق الذي ليس له وقت معيَّن، فإذاً يكون العمل دَيْناً على صاحبه إذا لم يفعله ولم يكن قد وُقِّت لهذا العمل وقتاً معيناً، هنا يكون دَيناً، أما إن تركه عمداً فهذا ليس بدَيْن أصلاً ولن ينفعه لو قضى الدهر كله لعِظَم الإثم وعظم المؤاخذة وعظم ما فعل من مصيبة، وقد أشبع هذه المسألة بحثاً وتحقيقاً الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "الصلاة وأحكام تاركها"، فالقول الصواب إذاً: مَن أخرج صلاةً عن وقتها متعمداً لا لعذرٍ لا تُقبل منه ولا ينفعه قضاء، لا ينفعه إلا التوبة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى .
قال المؤلف:(( وإن كان لعُذرٍ فليس بقضاءٍ)) أي لا يسمى قضاء أصلاً، إذا أخرجها عن وقتها لعذرٍ معين، من نومٍ مثلاً، فهذا لا يسمى قضاءً ولكن الوقت الجديد هو وقتٌ بالنسبة لها، هكذا يقول المصنف، قال: ((بل أداء في وقت زوال العذر)) يسمى أداء في وقت زوال العذر، أي أصبحت هذه الصلاة هي الوقت الذي يريد أن يصليه فيها هو وقتها، فليست هي قضاء بل هي أداء لأنه قد أقام الصلاة في وقتها المعيَّن لها شرعاً.
قال:((إلا صلاة العيد ففي ثانِيْهِ)) إلا صلاة العيد، هذه لها حكم مستقل لأنها تصلى إذا مثلاً لم يروا الهلال في اليوم الأول، ثم بعد أن اتضح لهم الأمر بان أن الهلال ظاهر في ذاك اليوم وذهب وقت الصلاة، ماذا يفعلون؟ لا يصلون في وقت الظهر أو بعد الظهر أو كذا ، لا ، ينتظرون إلى اليوم الثاني ويصلون صلاة العيد في نفس وقتها في اليوم الأول، هذه لها حكم خاص وسيأتي تفصيله إن شاء الله في صلاة العيد، وله حديث مستقل جاء به .
يوجد نقاش طويل للمؤلف في قوله(( بل أداءٌ في وقت زوال العذر)) لكن سيطول الكلام فيه فنختصر إلى هذا القدر ونكتفي والله أعلم