الدرس الثامن و العشرون
[الدرس الثامن و العشرون]
قال المؤلف – رحمه الله - : " باب مصارف الزكاة " .
المصارف : جمع مَصْرِف ؛ وهو الجهة التي تُعطى لها الزكاة ، أي الذين يستحقون الزكاة.
وقد تولّى الله تبارك وتعالى بيانهم في كتابه العزيز ؛ فقال { إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } .
قال المؤلف – رحمه الله - : " هي ثمانية كما - في الآية – "
فهؤلاء الأصناف الثمانية هم الذين يُعْطَون من مال الزكاة
فأما " الفقراء" فهم الذين لا مال لهم ولا حرفة عندهم يقدرون بها على التكسّب .
وأما " المساكين " فهم الذين لهم مال أو حرفة ، ولكنهم لا يملكون ما يكفي نفقاتهم ونفقات من يعولون ، قال الله عز وجل : { وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } .
والفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإذا افترقتا اجتمعتا ؛ وبعبارة أسهل ؛ كلمة الفقير تطلق تارة ويراد بها معنى غير معنى المسكين ، وتطلق تارة أخرى ويراد بها نفس معنى المسكين ، فكما قال الله في هذه الآية { إنما الصدقات للفقراء والمساكين .. } فلما اجتمع في هذه الآية كلمتا الفقير والمسكين ؛ دلّ على أن هناك فرقاً بينهما في المعنى ؛ فكان الفقير هو المعدم الذي لا مال عنده ، والمسكين الذي عنده أصل المال ولكنه لا يكفيه ؛ كأصحاب السفينة في سورة الكهف ؛ فإن الله قد ذكر أنهم كانوا يملكون سفينة يتكسّبون منها ؛ ولكنها لا تكفيهم ، فوصفهم الله بأنهم مساكين .
أما لو ذكر الفقير وحده ، والمسكين وحده كان المعنى واحداً ؛ وهو من لا يملك كفايته ، سواء عنده أصل المال أو لا .
وقال بعض أهل العلم : إن المسكين هو المعدم ، والفقير من لا يملك كفايته ، وهو عكس القول السابق ؛ والصواب هو أن الفقير المعدم والمسكين من لا يملك الكفاية .
هل هناك درجة وسطى بين الفقير والغني ، أم أنه من ليس بفقير فهو غني ، ومن ليس بغني فهو فقير ؟
اختلف أهل العلم في ذلك ، فقال البعض ضابط الفرق بين الغني والفقير " ملك النصاب" ؛ فإذا ملك النصاب فهو غني تجب عليه الصدقة ، وإذا لم يملك النصاب فهو فقير تجوز عليه الصدقة .
والصحيح ؛ أن هناك درجة وسطى ما بين الفقير والغني ، فإما فقير يستحق الصدقة ، أو غني تجب عليه الصدقة – وهو الذي ملك النصاب - ، أو مكتف وهو المالك للكفاية ؛ وهذا لا تجب عليه الزكاة ، ولا تجوز له الزكاة .
والدليل على هذا الصنف ؛ أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم في أكثر من حديث أنه كان يستعيذ من الفقر وفي نفس الوقت كان يدعو ويقول : " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً " وفي رواية : " كفافاً " متفق عليه ، والرواية عند مسلم ، والمعنى كما قال أهل العلم : " ما يسد الرمق " ، وقالوا : هو ما تّكَفُّ به الحاجات ويَدْفَعُ الضرورات والفاقات ، ولا يلحق بأهل الترفهات ، فلا يكون فيه فضول يخرج إلى الترف .
فاستعاذته صلى الله عليه و سلم من الفقر مع طلب الكفاية يدل على أن الكفاية من ملكها فليس بفقير .
فأثبتنا بذلك درجة وسطى ما ببن الفقير والغني
إذن فالضابط عندنا في الفقير الذي تجوز عليه الزكاة ؛ هو من لم يملك كفايته .
هل يجوز أن يكون الشخص له راتب مقداره أربعمائة أو خمسمائة دينار ، ويكون مسكيناً مستحقاً للزكاة .
نعم يجوز ، فإن من أرباب العائلات من يتقاضى مثل هذا الراتب ولكنه لا يساوي شيئاً بالنسبة لعائلته ؛ فهذا يُعطى من الزكاة .
فالضابط إذن ليس بالقدر الذي يتقاضاه الشخص ، ولكن الضابط بالكفاية حسب العرف .
أي لا يصح للشخص أن يبذر ويسرف ثم يقول ليس عندي كفايتي ، ولكن ينظر مثله كم ينفق عادة ؛ ويحدد على حسبه .
" والعاملون عليها " وهم العاملون على الزكاة كما قال الله تعالى في الآية ؛ وهم الذين يوليهم الإمام أو نائب الإمام جمع الزكاة أو صرفها في مصارفها ؛ فإنهم يعطون أجرة عملهم وهو جمعهم للزكاة ؛ سواء كانوا أغنياء أو فقراء .
" والمؤلفة قلوبهم " وهم قوم يراد جمع قلوبهم على الإيمان ، إما أن يكونوا ضعاف الإيمان وفي تقوية إيمانهم بالمال خير ومنفعة للإسلام ، أو أن يكونوا كفارا وفي إيمانهم خير للإسلام والمسلمين ؛ فيعطون من هذه الزكاة لتأليف قلوبهم للإسلام .
" وفي الرقاب " أي في العتق ، والمراد العبد المسلم أو الأمة يُشترى ويعتق ، أو يكون مكاتباً ؛ فيعطى من مال الزكاة ما يسدد به كتابته ليصير حرّاً .
والمكاتب هو الذي يكاتب سيده أي يعقد عقداً مع سيده بأن يدفع له مبلغاً من المال مقابل أن يتحرّر ؛ فبعد أن يدفع العبد المبلغ كاملاً لسيده يصبح حراً .
وفي جعل الله عز وجل العبد والأمة المكاتبين من مصارف الزكاة ؛ دليل على تشوّف الإسلام للعتق وتحرير الناس من الرِّقّ ، فإن الإسلام عندما جاء وجد باب الرق مفتوحاً بشكل كبير ، فضيّق سبله ووسّع سبل العتق ، ولكن ليس على الإطلاق بالصورة التي توجد اليوم عند الناس .
ولكن لو قال قائل : لماذا لم يُغلق باب الرق بالكليّة ؟
قلنا لأن هناك مصلحة من صورة معيّنة ، لا بد أن تبقى ؛ وهي محقّقة في قول النبي صلى الله عليه و سلم " عجب ربنا من أناس يُقادون للجنة بالسلاسل " .
صورة الرق الباقية هي في الجهاد ، فعند القتال يؤخذ النساء والصبيان رقيقا ؛ فما المصلحة في ذلك :
أولاً : إدخالهم في الإسلام وهي أعظم مصلحة ، فيكسبون برقهم في الدنيا آخرتهم ، فرِقّ في الدنيا يقابل سعادة الآخرة الأبدية لاشيء .
ثانياً : حفظهم في الدنيا ؛ ففي حال الحروب والقتال فإن أكثر من يضيع النساء والأطفال ؛ جوع وقلة وعذاب اعتداء ، وصف ما تشاء في النساء والأطفال . فإذا أخذوا رقيقاً حفظوا ؛ فقد جعل الشارع لهم حقوقاً ، فلا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من أنواع العذاب ، ويجدون لهم مكاناً يحفظهم ويؤويهم ، فيأكلون ويشربون وينامون ويستريحون ولا يشرّدون ويضيعون كالحال الموجود اليوم ,
والمصالح كثيرة هذه منها .
" والغارمين " جمع غارم ، وهو الذي تحمّل ديناً من غير معصية ؛ سواء كان تحمّله هذا لنفسه أو لغيره ؛ كإصلاح بين الناس ، فيعطى هذا الغارم من الزكاة ليسد دينه .
" وفي سبيل الله " وهذا المصرف قد توسّع فيه بعض الناس ليبيحوا لأنفسهم التصرّف في أموال الله ، فجعلوا في سبيل الله كلمة واسعة يدخل تحتها أي شيء أرادوه ، وزعموا أنه لله ، وهذا الزعم باطل ؛ لأنه لو كان هذا صحيحاً لما احتاج الله أن يذكر من ذكر من الأصناف ؛ لأنهم كلهم في سبيل الله ، ولما قال الفقراء والمساكين... وغيرهم ولقال من أول الأمر في سبيل الله .
ولكن " في سبيل الله " هنا كما فسّرها السلف قاطبة ؛ هو الجهاد في سبيل الله ، أي المجاهدون في سبيل الله ؛ سواء كانوا المحاربين أو طلبة العلم الشرعي فكله جهاد في سبيل الله ، فهؤلاء يجاهدون بالسيف ، وطلب العلم الشرعي جهاد في سبيل الله باللسان والقلم ، ولا يقل فضله ومكانته ومصلحته عن الجهاد بالسيف ، ويحتاج لصبر وهمم عالية ، وهو أعظم الجهادين على الصحيح .
ومما يدل على أن هذا جهاد ؛ قول الله عز وجل : { وجاهدهم به جهاداً كبيراً }،ومعناه جاهدهم بالقرآن ، أي بالعلم الشرعي ، فهو إذن جهاد ، فطالب العلم الشرعي يعطى كفايته من مال الزكاة ليستمر في طلبه ، ولا يشغل نفسه في طلب الرزق وليتمكن من نصرة دين الله بالعلم الشرعي .
وقد نص على هذا غير واحد من العلماء ، كالنووي وغيره .
" وابن السبيل " وهو المسافر المنقطع عن بلده وأهله وماله ؛ الذي يحتاج المال ، فيُعطى ما يوصله إلى بلده إذا لم يجد من يقرضه . أما إذا وجد من يقرضه ؛ فهو غني بهذا القرض ، وعندما يرجع يرد له قرضه .
ولا يجب أن تصرف الزكاة في كل هذه الأصناف ، فلو كان لشخص ألف دينار زكاة ماله ، فلا يجب عليه أن يبحث عن شخص من كل صنف من هذه الأصناف لينفق عليهم من مال زكاته فلا يوجد دليل بذلك ، ولو أنه صرفها في صنف واحد لجاز وأجزأت عنه .
والآية بينت جنس من يستحق الزكاة فقط ، فهؤلاء من يستحقون الزكاة ، فلك أن تنفق زكاتك في الصنف الأول أو الثاني أو الثالث ، إلى آخره . وفي حديث معاذ : " تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم " دليل على ما قلنا ؛ فإنه لم يذكر كل الأصناف .
وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة : " أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " أخرجه مسلم في " الصحيح " ، فكان يريد صلى الله عليه و سلم أن يأمر بالصدقة كلها لقبيصة ، فإنه هنا صرفها في مصرف واحد، وهذا يدل على جواز صرفها في مصرف واحد .
قال المؤلف – رحمه الله - : " وتحرم على بني هاشم ومواليهم " .
وبنو هاشم الذين منهم النبي صلى الله عليه و سلم ، تحرم عليهم زكاة الأموال ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : " إنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس " أخرجه مسلم في " الصحيح " .
وأدخل بعض أهل العلم بني المطلب مع بني هاشم في تحريم الزكاة عليهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم فيهم بعد أن أعطاهم سهم ذي القربى ؛ قال : " لا نفترق في جاهلية ولا في إسلام " أي بني هاشم وبني المطلب . أخرجه البخاري
أما بنو هاشم ؛ فقد أجمع العلماء على تحريم الزكاة عليهم .
وأما " مواليهم " فهم عتقاءهم ، وهم العبيد الذين يكونون عندهم ثم يعتقونهم ، فيسمون موالي ؛ فتحرم عليهم أيضاً ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : " إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن موالي القوم من أنفسهم " أخرجه أبو داود وغيره .
ومعنى من أنفسهم أي كأنهم منهم ، فحكمهم كحكمهم .
قال المؤلف – رحمه الله - : " وعلى الأغنياء ، والأقوياء المكتسبين " .
أي وتحرم زكاة المال على الغني ، وكل من وجد كفايته ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : " لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة سوي " وفي رواية : " ولا لقوي مكتسب " .
و" المّرة " هي القوة وشدة العقل .
ويستثنى من ذلك ؛ العامل عليها ، ومن تقدّم ذكرهم ؛ كالمجاهد في سبيل الله ، فإنهم وإن كانوا أغنياء أو أقوياء ؛ فإن الزكاة تحلّ عليهم .
ولا تعطى الزكاة لمن تجب على المزكي نفقته ؛ كالزوجة والأولاد والآباء ؛ لأن دفع الزكاة لهؤلاء يغنيهم عن النفقة الواجبة عليه ؛ فيحفظ ماله بزكاته ، فكأنه لم يزك ، ثم إن هؤلاء يعتبرون أغنياء بغناه هو ، فكونه هو المنفق عليهم وهو غني فيعتبرون أغنياء مكتفون بنفقته .
وكذلك لا يجوز إعطاؤها للكفار غير المؤلفة قلوبهم ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : " تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم " أي المسلمين ، ومن مقاصد الزكاة ؛ إغناء المسلمين لا الكفار .
ولا يجوز إعطاؤها للعبد ؛ فنفقته على سيده ، فهو غني بغنى سيده ومكتفٍ باكتفائه، ولأن العبد لا يملك ، بل ماله لسيده ؛ لقوله صلى الله عليه و سلم : " من ابتاع عبداً وله مال ، فماله للذي باعه ؛ إلا أن يشترط المبتاع " متفق عليه .
وأما قوله في الحديث " وله مال " فاللام هنا للاختصاص والانتفاع ، أي له مال يختص وينتفع به ؛ كقولنا السرج للفرس ، وليست لام الملك ، ولو كانت اللام للملك لما كان المال من حق سيده عند بيعه .
قال المؤلف – رحمه الله - : " باب صدقة الفطر " .
أي الصدقة التي تجب بالفطر من رمضان .
وهي واجبة على كل مسلم صغير وكبير ، ذكر وأنثى ، حر وعبد .
وأصل وجوبها قول ابن عمر رضي الله عنه : " فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر ، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين " متفق عليه
وقوله : " فرض رسول الله " يدل على أنها فريضة واجبة على كل من ذكر في الحديث .
والحكمة من صدقة الفطر ؛ أنها طعمة للمساكين ، وطهرة للصائم من اللغو والرفث .
واللغو : هو ما لا فائدة منه من القول والفعل .
والرفث : الكلام الفاحش .
قال ابن عباس رضي الله عنه : " فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، من أدّاها قبل الصلاة ؛ فهي زكاة مقبولة ، ومن أدّاها بعد الصلاة ؛ فهي صدقة من الصدقات " أخرجه أبو داود وغيره .
قال الدارقطني في رجاله : " ليس فيهم مجروح " ولا يلزم من هذا تصحيح الحديث أو توثيق رواته ؛ فقد يكون فيهم المجهول وإن لم يكن مجروحاً .
ولكن هذا الحديث حسن الإسناد .
قال المؤلف – رحمه الله - : " هي صاع من القوت المعتاد عن كل فرد " .
هذا هو القدر الواجب في صدقة الفطر ؛ وهو صاع من قوت أهل البلد .
و" الصاع " مكيال يَسَع أربعة أمداد ، والمدّ حفنة بكّفَّي الرجل المعتدل الكفين ، فلا تكون كفاه كبيرتان ولا صغيرتان بل وسطاً ، ولا يضم كفيه كثيراً ولا يبسطهما كثيراً بل يكونان متوسطتين في المد والضم .
و" القوت " هو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام ؛ كالقمح والشعير والأرز والعدس والذرة ونحو ذلك .
وقوله " المعتاد " أي الذي اعتاد أهل البلد أن يكون هو قوتهم ؛ كالأرز عندنا ؛ فإنه قوت بلادنا اليوم ، ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري في " صحيح البخاري " ؛ قال : " كنا نخرجها في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا يومئذٍ التمر والزبيب والشعير " .
فيدل هذا الحديث على أنها تخرج من غالب قوت أهل البلد ، وهو في بلدنا هذا الرز .
ولا يجوز إخراج القيمة ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم عيّن الطعام ، فلا عدول عنه إلى غيره إلا بدليل صحيح ؛ وهذا قول جمهور علماء الإسلام .
وقد انتشر اليوم القول الآخر ، وهو جواز إخراج القيمة ، وهو قول أبي حنيفة ؛ لضعف تعظيم السنة والحديث عند كثير من المفتين في هذا الزمن ، فأخذوا يفتون بآرائهم ، وصار عندهم المعتمد هو ما ترجحه عقولهم لا ما يرجّحه الدليل من الكتاب والسنة .
وإنما يفعلون هذا بدعوى أنها مصلحة الفقير .
ويرد عليهم ؛ بأن المعتبر في زكاة الفطر هي مصلحة الفقير في سد الحاجة للطعام فقط ، وليست مصلحة الفقير مطلقاً ، وجاء هذا من قوله صلى الله عليه و سلم : " وطعمة للمساكين " فيدل هذا على أن المراد من صدقة الفطر ؛ هو عدم حاجته للطعام ، وهذه المصلحة تتحقق بإخراج القوت .
أما مصلحة الفقير العامة ، فهي متحققة بإخراج زكاة المال وغيرها من الصدقات ، وفي وجوب النفقات على من تجب عليهم ، فلا داعي للتوسّع المخالف للدليل ، ومصلحته متحققة في إخراج صدقة الفطر طعاماً وإخراجها هكذا يغنيه عن طلب الطعام في ذلك اليوم .
وهذا هو قول أئمة الإسلام وأهل الحديث ، وإنما خالف في هذا أهل الرأي .
وقوله "عن كل فرد " أي صاعاً عن كل واحد ممن تجب عليه نفقته .
أي إذا كان رب العائلة ينفق على خمسة أولاد ؛ فيجب عليه أن يخرج صدقة الفطر عن نفسه وعن هؤلاء الخمسة .
قال – رحمه الله - : " والوجوب على سيد العبد ، ومنفق الصغير ونحوه " .
قوله " والوجوب على سيد العبد " أي أن وجوب صدقة الفطر على سيد العبد ؛ لأن العبد – كما قدّمنا – لا يملك ، والذي يجب أن ينفق عليه هو سيده .
قوله " ومنفق الصغير " أي تجب صدقة الفطر على من ينفق على الصغير ، إذا لم يكن له مال ، فتجب صدقة الفطر على من وجبت عليه النفقة .
وقوله " ونحوه " كالزوجة ؛ لأن نفقتها على الزوج فتجب على زوجها ؛ هذا إذا لم يكن للزوجة مال خاص ؛ فإن كان لها مال فصدقة الفطر عليها .
قال : " ويكون إخراجها قبل صلاة العيد " .
بدأ المؤلف – رحمه الله – ببيان وقت إخراج صدقة الفطر .
الأصل في وقت إخراجها أنها من غروب شمس ليلة الفطر ؛ لأنه وقت الفطر من رمضان إلى صلاة العيد ؛ لحديث ابن عباس المتقدم معنا : " فمن أدّاها قبل الصلاة " أي صلاة العيد " فهي زكاة مقبولة ، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات " ، أي ليست صدقة الفطر وإنما صدقة مطلقة .
وقال البعض : وقت وجوبها من طلوع الفجر ، ولكن الأول أقوى عندي والله أعلم .
مسألة : هل يجوز تعجيل صدقة الفطر قبل وقتها .
اختلف العلماء في ذلك ؛ فجمهور العلماء على أنه يجوز تعجيلها قبل العيد بيوم أو يومين ؛ لأن ابن عمر كان يؤدّيها قبل ذلك بيوم أو يومين .
وهذا هو السبب الذي جعلهم يجيزون إخراجها قبل وقتها .
ثم إنه في كثير من الأحيان لا يكفي الوقت لمن أراد إخراجها في وقتها المعيّن .
وإن أخّرها عن وقت صلاة العيد ؛ فهي صدقة من الصدقات ولا تكون صدقة فطر .
قال – رحمه الله - : " ومن لا يجد زيادة على قوت يومه وليلته فلا فطرة عليه " .
على من تجب من الناس كتحديد ؛ من ناحية إيجاد المال .
هي واجبة على كل من وجد قوت يومه وليلته من يوم العيد . فمن زادت نفقته أو طعامه الذي عنده عن قوت يومه وليلته ؛ فقد وجبت عليه الزكاة ؛ هو الضابط ؛ أن تزيد عن طعامه ، وإذا لم تزد عليه ولم يملك إلا قوت يومه وليلته أو أقل من ذلك من يوم العيد ؛ فلا صدقة فطر عليه .
لأن المراد من صدقة الفطر إغناء الفقراء عن طلب القوت في يوم العيد ؛ فلا يصحّ أن نقول لمن لا يملك إلا قوته وقوت من يعول أخرج ما عندك ؛ فهذا معارض للحكمة التي لأجلها فرضت هذه الزكاة .
قال المؤلف – رحمه الله - : " ومصرفها ؛ مصرف الزكاة " .
وأراد بذلك أنها تعطى لمن تعطى لهم زكاة المال .
ولا يظهر لي ذلك ؛ لعدم ورود ما يدلّ على ذلك ، ومجرّد تسميتها زكاة لا يفيد ذلك ؛ فلها أحكام تخصّها ، وقول النبي صلى الله عليه و سلم : " طعمة للمساكين " يدل على أن مصرفها الفقراء والمساكين فقط ، والله أعلم .