[الدرس السابع والأربعون]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
نحن بدأنا في الدرس الماضي بكتاب البيوع، كتاب البيوع كتاب مهم جداً ويعتبر عند كثير من الطلبة من أصعب كتب الفقه لكثرة مسائله وتفريعاته.
في الدرس الماضي تحدث المؤلف رحمه الله عن شرط التراضي في البيع وكيفية التعبير عنه ثم بدأ رحمه الله بذكر البيوع المحرَّمة فقال: ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام والكلب والسِّنور والدم وعسب الفحل وكل حرام.
شرحنا هذا كله وبينّاه في الدرس الماضي، نكمل بقية البيوع التي حرِّمت كما جاء في كلام المصنف رحمه الله.
قال:((وفَضْل الماء. وما فيه غرر. كالسمك في الماء. وحبَلِ الحبَلة. والمنابذة. والملامَسة. وما في الضَّرْع. والعبد الآبق. والمغانم حتى تقسَم. والثمر حتى يصلح. والصوف في الظهر. والسمن في اللبن. والمحاقلة. والمزابنة. والمعاومة. والمخاضرة))
قوله: وفضل الماء.
أي ولا يجوز بيع فضل الماء.
المقصود بفضل الماء: ما زاد من الماء عن حاجة الشخص وعن حاجة عياله وماشيته وزرعه، ما زاد من الماء عنده عما تقدم لا يجوز له أن يمنعه عن الناس حتى يأخذ عليه عوض، هذا معنى فضل الماء. كأن يمنع الناس مثلاً من مياه العيون، والأنهار والبرك وما شابه، لأن هذا الماء حق للناس جميعاً فليس لأحد أن يمنعه عن الناس، من سبق له أن يأخذ منه كفايته وكفاية أهله وماشيته وزرعه لكن لا يمنعه عن الناس. جاء في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع فضل الماء" وهو في الصحيح، هذا هو الدليل على ما ذكر المؤلف رحمه الله والناس كما قال - عليه الصلاة والسلام - شركاء في ثلاث: "الماء والكلأ والنار"، الكلأ: العشب الذي ينبته الله سبحانه وتعالى، والنار الحطب الذي تشعَل به النار، فإذا أحرز الماء وحازه أصبح ملكاً له، شخص أخذ جالونات أو زجاجات ماء وعبأ ماءً ونقله، هذا الماء الآن يسمى ماءً محروزاً، صار ملكاً لهذا الرجل، فإذا صار ملكاً له جاز له أن يبيعه، وكذا إذا حفر بئراً في ملكه أو صنع آلة استخرج بها الماء، هنا له أن يبيع الماء، نستدل على ذلك بحديث بئر رومة، هذه البئر التي كانت ملكاً ليهودي وكان اليهودي يبيع الماء للمسلمين، وكان المسلمون يشترون منه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - أقر المسلمين على ما كانوا يفعلون، حتى اشتراها عثمان ابن عفان وجعلها وقفاً. دلَّ هذا على جواز بيع مثل هذا الماء.
هذا ما يتعلق بهذه المسألة، فبناءً على ما تقدم، المياه التي تباع الآن في زجاجات أو مياه في جالونات هذه كلها يجوز بيعها وليست هي داخلة في النهي .
قال رحمه الله: وما فيه غرر.
أي ولا يجوز بيع ما فيه غرر، هذا أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، هذه المسألة التي معنا أصل عظيم من أصول كتاب البيوع تحتاج إلى فهم جيد.
الغرر ما هو؟
الغرر في لغة العرب هو الخطر والخداع، والتغرير: التعريض للهلاك، وأصل الغرر ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه.
الغرر في الاصطلاح هو ما كان له ظاهر يضر المشتري وباطن مجهول. بعبارة أسهل: الغرر هو بيعٌ مجهول العاقبة.
أمثلته ذكرها المصنف، فقال: وما فيه غرر كالسمك في الماء.
بيع السمك في الماء من بيع الغرر، متى يكون بيع غرر؟
إذا كان السمك في ماءٍ كثير، فيكون السمك هنا مجهول الصفة، مجهول العدد، وربما لا يقدر مشتريه عليه، لا يقدر على صيده وإخراجه، فإذاً هذا العقد مجهول العاقبة أم غير مجهول؟ مجهول العاقبة، لكن إذا كان الماء قليلاً وكان صافياً ومحصور، هل يدخل هذا في الغرر؟
لا، لأنك بإمكانك أن ترى السمك في الماء في هذه الحالة وأن تعلم عدده أو تقدِّره وأن تعلم صفته، فإذاً ما في عندنا غرر واستخراجه في المكان المحصور سيكون سهلاً يسيراً، فإذاً لا غرر في هذا، وإذا كان الماء قليلاً ولكنه غير صافٍ، ماء معكر لا يُرى السمك من خلاله، يكون هذا من بيع الغرر .
هذا هو التفصيل في هذه المسألة لأن القضية متعلقة بالجهالة، لذلك فصَّلنا هذا التفصيل.
ورد حديث فيه النهي عن بيع السمك في الماء، خاص في هذه المسألة لكنه حديث ضعيف، ونعتمد فيما قررنا على حديث أبي هريرة الذي قال فيه: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر".
هذه الآن أصبحت عندنا قاعدة، فإذا رأينا أن بيع السمك في الماء مما فيه غرر فنقول هو محرَّم في ذلك على التفصيل الذي ذكرنا.
قال:وحبل الحبلة.
أي حمل الحامل وهو أن تلد الناقة مثلاً أو البقرة أو الشاة ثم تحمل التي وُلدت فيكون المُباع هو الحمل الأخير، حبَل الحبَلة، هذا أيضاً من بيع الغرر لأنه بيع لشيء معدوم غير موجود أصلاً، ذاك الحمل الذي بِيع هو بَيع شيء معدوم غير موجود أصلاً، فهو معدوم ومجهول أيضاً مجهول في عدده، لا يمكن أن نعلم الناقة هذه كم ستنجب وإن علمنا العدد فهو مجهول في صفته هل سينزل كاملاً، ينزل ناقصاً، ينزل حياً ، ينزل ميتاً، هل سينزل ذكراً ، ينزل أنثى، كل هذا مجهول، وغير مملوك للبائع، هو ليس في ملك البائع، فمن شرط البيع أن يكون مملوكاً لبائعه، إذاً فهو من بيع الغرر، وورد في النهي عن بيع حبل الحبلة حديث خاص مع أنه داخل في النهي عن بيع الغرر، إلا أنه ورد فيه أيضاً حديث خاص به، عن ابن عمر في الصحيحين قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن بيع حبَل الحبَلة".
ومن بيوع الغرر أيضاً المنهي عنها: المنابذة والملامسة.
جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال:"نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين ولبستين، نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، قال: والملامسة -في نفس الحديث هذا- لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراضٍ".
تأتي بثوب تريد أن تبيعه لشخص، فيلمس ذاك الشخص الثوب بيده لمساً فقط ويتم البيع على ذلك، هذا بيع كان يسمى عندهم ببيع الملامسة، مجرد اللمس، فلا يفتح الثوب ولا يُقلِّبه ولا يرى ما فيه، هذا أيضاً من بيع الغرر لأنه يجهل حال هذا الثوب وصفته.
بيع المنابذة: أن يكون عند رجلين كل واحد عنده ثوب ويريد أحدهما أن يبيع ثوبه للآخر، فيرمي هذا ثوبه لذاك وذاك يرمي ثوبه أيضاً لهذا، فبمجرد أن يرمي هذا ثوبه وذاك يرمي ثوبه يقع البيع، من غير أن ينظرا في هذه الأثواب ولا يتراضيان على هذا، هذا أيضاً من بيع الغرر .
ومنه: ما في الضرع.
الضرع: ثدي الناقة أو البقرة أو ما شابه من هذه الحيوانات، نهى عن بيع ما في الضرع وذلك لأن ما في الضرع وهو في الضرع مجهول الصفة والقدر، ما الذي في الضرع سيكون؟ حليب، لكن كم قدر هذا الحليب الذي سينزل من الضرع؟ غير معلوم.
ما هي صفة هذا الحليب الذي سينزل؟ غير معلوم.
والعبد الآبق.
أي الفار من سيده، الهارب، لماذا نهي عن بيع العبد الآبق؟ لعدم القدرة على تسليمه، ولجهالة أوصافه أيضاً، فإذا كان هذا العبد معلوماً للمشتري يعرف أوصافه، يعرفه مسبقاً تبقى العلة الأولى وهي عدم القدرة على تسليمه، فهو هارب من سيده كيف سيسلمه؟
هذا من بيع الغرر.
والمغانم حتى تقسم.
المغانم التي هي غنائم الحرب، غنائم الحرب لا يجوز بيعها حتى تقسم، هناك عندما تُجْمع تجمع عند ولي الأمر أو نائب ولي الأمر ثم بعد ذلك هو يقسمها على الغانمين، قبل ما تقسَّم لا يدري الشخص ما الذي سيخرج له من هذه الغنيمة فهو لا يعلم غنيمته ما هي، فإذا باعها باع شيئاً مجهولاً فنهي عن بيعها حتى تقسم، كل واحد يعرف ما له وما الذي ليس له، عندئذ يجوز بيعها، ثم هي قبل أن تقسم وقبل أن تأخذها أنت هي ليست في ملكك ملكاً مستقراً، نعم أنت لك في هذه الغنيمة لكن لم تدخل هذه الغنائم في ملكك ملكاً ولم يصبح ملكك عليها ملكاً مستقراً.
والثمر حتى يصلح.
ثمار الأشجار، تفرِّقون بين الزرع والشجر، الزرع حبوب تُزرع ثم تحصد، أما الشجر فله سوق يقوم عليها ثم يثمر، ما تخرجه الأشجار يسمى ثماراً، ثمار الأشجار، أما ذاك الذي يُزرع عن طريق الحبوب يسمى زرعاً، ثمار الأشجار لا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها، ما معنى حتى يبدو صلاحها؟ حتى تنضج، يعني بلهجتها نحن اليوم حتى تستوي، تصبح جاهزة للأكل، حتى تحمر أو تصفر، لأنها عندئذ تأمن من العاهة، العاهة: الداء الذي يأتي على الثمار ويفسدها، فبعد أن تنضج نكون قد أمنا من إصابتها في العاهة، وقبل ذلك يكون بيعها بيع غرر، ربما يشتريها شخص فتصيبها آفة فتُذهبها.
والصوف في الظهر.
ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الخروف، ولا يباع الصوف حتى يُجَزّ، هذا محل خلاف هل يجوز بيع الصوف على ظهر الخروف أم لا؟ فبعضهم قال لا يجوز لأنه يؤذي الخروف خاصة إذا كان الأمر في الشتاء، والبعض قال: العلة في ذلك الغررلأنه لم يحدد القطع لهذا الصوف، يَقطع من الأساس أم يقطع زيادة قليلاً أم ماذا؟، فقالوا: هذا سيحصل فيه غرر ويحصل فيه خصام، والظاهر أنه جائز إذا اتفقوا على الموضع الذي يُجز فيه صوف الخروف لأن النهي فيه لم يرِد والغرر فيه إما يسير أو غير حاصل، والغرر اليسير مستثنى من التحريم كما سيأتي إن شاء الله .
والسمن في اللبن، لا تدري اللبن كم سيُخرج من السمن، وما صفة السمن الذي سيخرج فهو مجهول القدر مجهول الصفة، فهو من الغرر.
جاء في حديث أبي سعيد قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع -عن شراء الحمل يعني حتى يوضع لأن الحمل هذا مجهول- وعما في ضروعها إلا بكيلٍ، وعن شراء العبد وهو الآبق، وعن شراء المغانم حتى تُقْسَم وعن شراء الصدقات حتى تُقبض، وعن ضربة الغائص-ضربة الغائص يعني الذي يغوص في الماء فيأتي شخص يقول له هذه الغوصة ستكون لك فيغوص غوصة وما يخرج فيكون له، هذا غرر واضح-" أخرجه ابن ماجه ولكنه حديث ضعيف، هذا الحديث الذي ذكرناه فيه أكثر المذكورات، قال البيهقي رحمه الله: وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسناد غير قوي فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهي عنه في الحديث الثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -.
فعندما نذكر هذه الأصناف نستدل على تحريمها بالنهي عن بيع الغرر لا بالحديث هذا لأنه حديث ضعيف، وفي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع"، هذا في الصحيحين وهذا دليل قوله: والثمر حتى يصلح، وفي حديث ابن عباس قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها أو يباع صوفٌ على ظهر أو سمنٌ في لبن أو لبن في ضرع" فهذا الحديث فيه بقية الأصناف الذي لم تُذكر وهو أيضاً ضعيف أخرجه الدارقطني والبيهقي، لكن كما ذكرنا هذا داخل في بيع الغرر ما عدا الصوف على الظهر على الصحيح إن شاء الله .
ومن الغرر المنهي عنه أيضاً: المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخاضرة.
المحاقلة مأخوذة من الحقل وهي هنا بيع الزرع بكيلٍ من الطعام معلوم، تأتي إلى حقل مثلاً مزروع بالقمح، كمية من القمح فتأتي بكيل معلوم من الطعام (من أي طعام) ولنقل فيه مئة كيلو من الطعام، وتشتري هذا الحقل بهذه المئة كيلو، طيب كم سيساوي هذا الحقل؟ الله أعلم.
والمزابنة بيع ثمر النخل بأوساقٍ من التمر، بيع ثمر النخل بأوساقٍ من التمر، وسق شيء كبير هكذا يسع كميات، يسع تقريباً ستين صاع من التمر.
والمعاومة: بيع الثمار سنين، يكون عندك مزرعة مثلاً فيها أشجار، يأتي شخص ويقول لك: بعني ثمر هذا الشجر لمدة ثلاث سنوات أو أربع سنوات، في كل سنة يكون ثمر هذا الشجر لك أنت كونك اشتريته، هذا بيع السنين يسمى أو المعاومة هما اسمان، وهذا فيه غرر واضح بيِّن فهو يشتري شيء معدوم غير موجود أصلاً.
والمخاضرة: بيع الثمرة الخضراء قبل بدو صلاحها، وهو المعنى الذي تقدم، المعنى الذي ذكرناه في الثمر حتى يصلح، نفس المعنى المخاضرة، وهذا كله ورد فيه أحاديث في الصحيحين، المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخاضرة، ورد في حديث في صحيح البخاري وفي مسلم في النهي عن بيعه.
الآن نضبط الموضوع (موضوع الغرر)
بيع الغرر يدخل فيه:
___ المعدوم مثل حبَل الحبَلة وبيع المعاومة.
___ والمعجوز عن تسليمه كالعبد الآبق.
___ والمجهول المطلق كقولهم مثلاً بعتك عبداً، إيش العبد هذا؟ الله أعلم، ولا شيء، مجهول مطلق أطلقناه، بعتك عبداً، إيش أوصاف العبد؟ من هو العبد؟ ما في شيء معلوم، فهو مجهول.
___ والمجهول جنسه: بعتك ما في البيت، طيب إيش هو هذا الذي في البيت؟ هل هو من جنس البشر؟ من جنس الحيوانات؟ من جنس السيارات؟ من جنس الكمبيوترات؟ ما هو؟ من جنس العفش المنوَّع والمختلف؟ شيء غير معروف جنسه.
___ والمجهول قَدرُه: كـــ بعتك عبيدي، كم واحد؟ الله أعلم.
___ والمجهول نوعه: كـــ بعتك الحيوان، هذا جنسه معروف من ذوات الأربع، لكن ما نوعه؟ أهو جمل أم فرس أم غنم أم بقر؟ غير معروف.
___ والمجهول وصفه: كـــ بعتك العبد الذي أملكه، وأنت لا تعرف هذا العبد لا تعرف أوصافه، طويل ؟ قصير؟ صاحب عضلات؟ ضعيف؟ هذا كله لا تعرف عنه شيء، أوصافه مجهولة.
هذا كله من بيع الغرر، هذه الأصناف السبعة التي ذكرناها تدخل في بيع الغرر: المعدوم والمعجوز عن تسليمه، والمجهول ولكن المجهول فيه تفصيل، لكن هكذا تحفظه بطريقه أسهل، المعدوم والمعجوز عن تسليمه والمجهول، سواء كان مجهولاً جنسه، مجهول نوعه، مجهول قدره، مجهول وصفه، مجهول مطلق، كله داخل في ضمن الغرر، ويستثنى من تحريم الغرر ما إذا كان الشيء فيه غرر تدعو الحاجة إليه ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بالمشقة، تدعو الحاجة إليه ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، مثل هذا الغرر معفو عنه، مثل ماذا؟ كهذه الكنبات التي أنتم جالسون عليها، الفرش عندما تأتي تشتري هذا الفرش، إذا أردت أن تكشف عما في داخله أفسدته، فمثل هذا يعفى عنه لأن الحاجة شديدة له ولا يمكن الكشف عنه وفحصه إلا بمشقة، فمثل هذا يعفى عنه.
أو يكون الشيء الذي فيه الغرر تابعاً لغيره، كأساس الدار، الآن عندما تريد أن تشتري بيتاً، ما بداخل الجدران وأساس الدار لا تعرف ما بداخله، هل تستطيع أن تعرف ما الذي وُضع في أساسات بيتك وهل الأساسات قوية أم لا؟ لا تستطيع أن تعرف ذلك، مثل هذا وإن كان فيه جهالة فيه غرر إلا أنه معفو عنه لأن الغرض الأساسي المقصود من البيت أصلاً ليس الأساسات، فالأساسات هي جاءت لكي تحمل ما هو مقصود.
وكذلك الشاة الحامل، إذا أردت أن تشتري الشاة لا ما في بطنها ولكنها حامل، هنا يجوز أن تشتريها وإن كان ما في بطنها داخل في ضمن الغرر لكنه ليس هو المقصود في العقد، المقصود الأم، الشاة الأصلية، فكان الحمل تبعاً لأصله كما أن أساس البيت تبع للبيت، فالمقصود الأساسي في العقد ليس فيه غرر ولكن معه شيء آخر هو ملازم له فيه غرر.
والشاة كذلك الذي في ضرعها لبن (حليب يعني) يجوز أن تشتريها إذا كان قصدك من الشراء الشاة، لا اللبن، أما إذا قصدت اللبن دخلت في النهي لا يجوز، لأن هذا البيع صار المقصود منه فيه غرر.
وكذلك ما فيه غرر حقير (يسير)، كذلك هذا معفو عنه، مثل إجارة الدار، عندما تأتي تريد أن تستأجر بيتاً من أحد، تستأجر منه كل شهر تدفع له مبلغاً من المال، طيب كم هذا الشهر؟ تسع وعشرين أم ثلاثين؟ هذا على العربي، عالإفرنجي عندك ثمانية وعشرين، وتسع وعشرين، وثلاثين، وواحد وثلاثين، عالعربي فيه عندك تسع وعشرين وثلاثين، جئت واستأجرت من شخص هذه الدار لمدة شهر، كم هذا الشهر؟ ثلاثين أو تسع وعشرين بالعربي؟ الآن على الهلال، هذا فيه غرر ولكنه يسير فهو معفو عنه .
هذه الأنواع استثنيت من تحريم بيع الغرر لأنهم وجدوا الاتفاق حاصل على جواز بيع مثل هذه الأمثلة التي مثلنا بها، إجماع علماء الإسلام منعقد على جواز بيعها مع ما فيها من غرر، فاستخرج العلماء منها ما يستثنى من مسائل الغرر .
طيب، الآن عندما تسأل أحد المشايخ والعلماء عن التأمين إيش يقول لك؟
التأمين حرام، التأمين التجاري محرَّم، لماذا؟ يقول لك: هذا عقد فيه غرر، تعالوا نمثل للسيارة الآن، الآن يقول لك عندما تريد أن ترخص السيارة لا بد أن تؤمن، تدفع مبلغ من المال لشركة التأمين، مئة دينار تدفعها لشركة التأمين، طيب عقدنا هذا العقد ودفعنا المئة دينار، هل العاقبة معلومة أو مجهولة؟ مجهولة، ربما يسلِّمك الله تبارك وتعالى وما تعمل أي حادث خلال السنة هذه(المئة دينار لمدة سنة)، الآن سلمك الله وما عملت أي حادث فكانت الخسارة لمن؟ أنت خسرت، دفعت المئة دينار بأي حق؟ عالفاضي ما استفدت منها شيئاً.
قدَّر الله وعمل الشخص هذا المؤمِّن حادث، كم ستدفع شركة التأمين؟ الله أعلم، طيب عمل ثاني حادث، ثالث حادث، رابع حادث، ما أدرانا كم سيعمل في السنة ما ندري، فإذاً العاقبة مجهولة بشكل كبير جداً واضح الغرر، الغرر بيِّن فهو عقد محرَّم. هذا هو سبب تحريم شركات التأمين التجارية.
هذا من الأسباب(..) فيه أسباب أخرى كالربا في بعض المعاملات وكالقمار.
طيب نكتفي بهذا القدر إن شاء الله