الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد
فإذا علمنا أن الملائكة لم تقل (أتجعل فيها من يفسد فيها) على وجه الاعتراض على الله، بل كان سؤالهم هذا لمعرفة حكمة الله من خلق من يفعل ذلك، وكان سؤالهم بإذن الله لهم؛ زال الإشكال. والله أعلم
وقد وضح معني الآية ابن كثير رحمه الله، فقال في تفسيره (1 / 216):
وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي: لا يسألونه شيئاً لم يأذن لهم فيه، وهاهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقًا، قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها فقالوا: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فيها ويَسفِكُ الدِّمَاءَ } الآية.
وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلي لك كما سيأتي، أي: ولا يَصدُر منا شيء من ذلك، وهلا وقع الاقتصار علينا؟
قال الله تعالى مجيباً لهم عن هذا السؤال: { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ } أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم. انتهي
وقال ابن القيم رحمه الله في تعليقه علي كلام الملائكة :
" وفي هذا دلالة على أن الله قد كان أعلمهم أن بني آدم سيفسدون في الأرض، وإلا فكيف كانوا يقولون ما لا يعلمون، والله تعالى يقول وقوله الحق (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ )، والملائكة لا تقول ولا تعمل إلا بما تؤمر به لا غير، قال الله تعالى ( ويفعلون ما يؤمرون ) " انتهى . "مفتاح دار السعادة" (1/12) .
والله أعلم