الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ؛
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: واختلف أهل العلم، في أصل الجن، فروى إسمعيل عن الحسن البصري:
أن الجن ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء في الثواب والعقاب.
فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنا فهو ولي الله، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرا فهو شيطان.
قلت : وهذا القول هو الصواب .
وروى الضحاك عن ابن عباس: أن الجن هم ولد الجان وليسوا بشياطين، وهم يؤمنون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس.
قلت : ويرده قول الله تعالى { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } .
واختلفوا في دخول مؤمني الجن الجنة، على حسب الاختلاف في أصلهم.
فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال: يدخلون الجنة بإيمانهم.
ومن قال: إنهم من ذرية إبليس فلهم فيه قولان: أحدهما - وهو قول الحسن يدخلونها.
قلت : وهو الصواب لقوله تعالى {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } .
الثاني - وهو رواية مجاهد : لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار.
حكاه الماوردي.
وقد مضى في سورة " الرحمن " عند قوله تعالى: " لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان " بيان أنهم يدخلونها .... انتهى
قلت : وهم مكلفون كالإنس قال الله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ، وبداية سورة الجن تدل على ذلك .
وسمي الجن جنا ؛ لأنهم مستورون عن الأعين ، لأن أصل مادة جن تستعمل للخفاء والستر .
قال ابن فارس : (جن) الجيم والنون أصل واحد، وهو السَّتْر و التستُّر. فالجنَّة ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستورٌ عنهم اليومَ. والجَنّة البستان، وهو ذاك لأنّ الشجر بِوَرَقه يَستُر..... إلى أن قال : والجن سموا بذلك لأنهم متستِّرون عن أعيُنِ الخَلْق . قال الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف 27] .انتهى
والإنس سموا بذلك لأنهم ظاهرون غير مستورين ، وقيل غير ذلك .
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : (أنس) الهمزة والنون والسين أصلٌ واحد، وهو ظهورُ الشيء، وكلُّ شيءٍ خالَفَ طريقة التوحُّش.
قالوا: الإنْس خلاف الجِنّ، وسُمُّوا لظهورهم .... والله أعلم