الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ؛
فبدء الكافر بالسلام حرام
بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه " . أخرجه مسلم في صحيحه ( 2167 ) .
قال النووي في شرح مسلم : اختلف العلماء فى رد السلام على الكفار وابتدائهم به فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط ودليلنا فى الابتداء قوله صلى الله عليه و سلم لاتبدأوا اليهود ولاالنصارى بالسلام وفى الرد قوله صلى الله عليه و سلم فقولوا وعليكم وبهذا الذى ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روي ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبى محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي ؛ لكنه قال : يقول السلام عليك ولايقول عليكم بالجمع .
واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث وبإفشاء السلام وهى حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث " لاتبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام " .
وقال بعض أصحابنا يكره ابتداؤهم بالسلام ولايحرم وهذا ضعيف أيضا لأن النهى للتحريم فالصواب تحريم ابتدائهم .
وحكى القاضي عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة أو سبب وهو قول علقمة والنخعى وعن الأوزاعي أنه قال : إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون .
وقالت طائفة من العلماء : لايرد عليهم السلام .
ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك .
وقال بعض أصحابنا : يجوز أن يقول فى الرد عليهم : وعليكم السلام ؛ ولكن لايقول : ورحمة الله حكاه الماوردي ، وهو ضعيف مخالف للأحاديث . والله أعلم
وقال ابن قدامة في المغني (10 / 616 ) في أهل الذمة :
فصل : ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها " أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إنا غادون غدا ، فلا تبدأوهم بالسلام ، وإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم " أخرجه الامام أحمد باسناده .
وبإسناده عن أنس أنه قال : نهينا أو أمرنا أن لا نزيد أهل الكتاب على : وعليكم .
قال أبو داود : قلت لأبي عبد الله - يعني الإمام أحمد - : تكره أن يقول الرجل للذمي : كيف أصبحت ؟ أو كيف حالك ؟ أو كيف أنت ؟ أو نحو هذا ؟ قال : نعم هذا عندي أكثر من السلام
وقال أبو عبد الله : إذا لقيته في الطريق فلا توسع له .
وذلك بما تقدم من حديث أبي هريرة .
وروي عن ابن عمر أنه مر على رجل فسلم عليه ، فقيل : إنه كافر ، فقال : رد علي ما سلمت عليك ، فرد عليه ، فقال : أكثر الله مالك وولدك ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : أكثر للجزية .
وقال يعقوب بن بختان : سألت أبا عبد الله فقلت : نعامل اليهود والنصارى ، فنأتيهم في منازلهم وعندهم قوم مسلمون ؛ أسلم عليهم ؟ قال : نعم ، تنوي السلام على المسلمين. وسئل عن مصافحة أهل الذمة فكرهه .ا.هـ
وأما الادلة التي ذكرتها فقد أجاب عنها أهل العلم ، ونقلها الحافظ في الفتح ( 11/ 39-40 ) قال : ..... وهو مفرع على منع ابتداء الكافر بالسلام وقد ورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد من طريق سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، واضطروهم إلى أضيق الطريق " وللبخاري في الأدب المفرد والنسائي من حديث أبي بصرة وهو بفتح الموحدة وسكون المهملة الغفاري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدأوهم بالسلام" .
وقالت طائفة : يجوز ابتداؤهم بالسلام ، فأخرج الطبري من طريق ابن عيينة قال : يجوز ابتداء الكافر بالسلام ؛ لقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } وقول إبراهيم لأبيه { سلام عليك } ، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال : نرد عليهم ولا نبدأوهم .
قال عون : فقلت له : فكيف تقول أنت ؟ قال : ما أرى بأسا أن نبدأهم . قلت : لم ؟!
قال : لقوله تعالى {فاصفح عنهم وقل سلام }
وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة : إنه كان يسلم على كل من لقيه ،فسئل عن ذلك فقال : إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا ، هذا رأي أبي أمامة .
وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى .
وأجاب عياض عن الآية وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه ؛ بأن القصد بذلك المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية وقد صرح بعض السلف بأن قوله تعالى {وقل سلام فسوف يعلمون } نسخت بآية القتال .
وقال الطبري : لا مخالفة بين حديث أسامة في سلام النبي صلى الله عليه و سلم على الكفار حيث كانوا مع المسلمين وبين حديث أبي هريرة في النهي عن السلام على الكفار؛ لأن حديث أبي هريرة عام وحديث أسامة خاص فيختص من حديث أبي هريرة ما إذا كان الابتداء لغير سبب ولا حاجة من حق صحبة أو مجاورة أو مكافأة أو نحو ذلك ، والمراد منع ابتدائهم بالسلام المشروع فأما لو سلم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه كأن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو جائز كما كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى هرقل وغيره سلام على من اتبع الهدى .
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : السلام على أهل الكتاب إذا دخلت عليهم بيوتهم : السلام على من اتبع الهدى .
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين مثله .
ومن طريق أبي مالك : إذا سلمت على المشركين فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فيحسبون أنك سلمت عليهم وقد صرفت السلام عنهم . والله أعلم .