الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ؛
فمما جاء في ذلك حديث بشير بن الخصاصية ، بشير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:
بينما أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا ابن الخصاصية ، ما تنقم على الله ، أصبحت تماشي رسول الله ، فقلت : يا رسول الله ، ما أنقم على الله شيئا ، كل خير قد أتانيه الله ، فمر على مقابر المسلمين ، فقال : أدرك هؤلاء خيرا كثيرا، ثم مر على مقابر المشركين ، فقال : سبق هؤلاء خيرا كثيرا ، قال : فالتفت ، فرأى رجلا يمشي بين المقابر في نعليه ، فقال
: يا صاحب السبتيتين ، ألقهما . أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما ، وقال الإمام أحمد إسناده جيد .وعارضه حديث أنس الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه
إنه ليسمع قرع نعالهم يأتيه ملكان فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل يعني محمدا صلى الله عليه و سلم قال فأما المؤمن فيقول آمنت أنه عبد الله ورسوله فيقال له أنظر إلى مقعدك في النار قد أبدلك الله مقعدا في الجنة فيراهما جميعا" .قال الطحاوي في شرح معاني الآثار بعد أن ذكر حديث بشير بن الخصاصية :فذهب قوم الى هذا الحديث فكرهوا المشي بالنعال بين القبور وخالفهم في ذلك آخرون ؛ فقالوا : قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم أمر ذلك الرجل بخلع النعلين لا لأنه كره المشي بين القبور بالنعال ؛ لكن لمعنى آخر من قذر رآه فيها يقذر القبور .
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى وعليه نعلاه ثم أمر بخلعهما فخلعهما وهو يصلي فلم يكن ذلك على كراهة الصلاة في النعلين ؛ ولكنه للقذر الذي كان فيهما .
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يدل على إباحة المشي بين القبور بالنعال ... وذكر حديث قرع النعال عن أبي هريرة ، ثم قال :فهذا يعارض الحديث الأول إذا كان معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى ولكنا لا نحمله على المعارضة ونجعل الحديثين صحيحين فنجعل النهى الذي كان في حديث بشير للنجاسة التي كانت في النعلين لئلا ينجس القبور كما قد نهى أن يتغوط عليها أو يبال وحديث أبى هريرة رضي الله عنه يدل على إباحة المشي بالنعال التي لا قذر فيها بين القبور فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .
وقال النووي رحمه الله في المجموع : المشهور في مذاهبنا أنه لا يكره المشي في المقابر بالنعلين والخفين ونحوهما ، ممن صرح بذلك من أصحابنا : الخطابي والعبدري وآخرون ،
ونقله العبدري عن مذهبنا ومذهب أكثر العلماء ، قال أحمد بن حنبل رحمه الله : يكره ، وقال صاحب الحاوي : يخلع نعليه لحديث بشير بن معبد الصحابي المعروف بابن الخصاصية ....وذكر الحديث ، ثم قال : واحتج أصحابنا بحديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه إلى آخر الحديث رواه البخاري ومسلم وأجابوا عن الحديث الأول بجوابين أحدهما : وبه أجاب الخطابي أنه يشبه أنه كرههما المعنى لأن النعال السبتية بكسر السين هي المدبوغة بالقرظ ، وهي لباس أهل الترفعه والتنعم ، فنهى عنهما لما فيهما من الخيلاء ، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يكون دخوله المقابر على زي التواضع ، ولباس أهل الخشوع والثاني : لعله كان فيهما نجاسة ، قالوا : وحملنا على تأويله الجمع بين الحديثين . والله أعلم