وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد ؛
فالصحيح في هذه المسألة أنه إذا اجتمع جمعة وعيد في يوم واحد أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد ما عدا الإمام الذي يصلي بالناس
ويجب على من لم يصل الجمعة أن يصلي الظهر ، ولا تسقط ، عنه صلاة الظهر في هذه الحالة .
وللعلماء في هذه المسألة أقوال ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة
والثاني : تسقط عن أهل البر مثل أهل العوالي والشواذ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد
والقول الثالث : وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه : كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف
وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي صلى الله عليه و سلم لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة وفي لفظ أنه قال : " أيها الناس ! إنكم قد أصبتم خيرا فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون "
وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة فتكون الظهر في وقتها والعيد يحصل مقصود الجمعة وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم وتكدير لمقصود عيدهم وما سن لهم من السرور فيه والانبساط
فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال ، ولأن يوم الجمعة عيد ويوم الفطر والنحر عيد ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى كما يدخل الوضوء في الغسل وأحد الغسلين في الآخر . والله أعلم . انتهى
وقال ابن قدامة في المغني :
مسألة وفصل : اتفاق الجمعة والعيد في يوم واحد
فصل : وإن اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة .
وقيل في وجوبها على الإمام روايتان وممن قال بسقوطها الشعبي و النخعي و الأوزاعي ، وقيل هذا مذهب عمر وعثمان وعلي وسعيد وابن عمر وابن عباس وابن الزبير .
وقال أكثر الفقهاء تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد
ولنا ما روى [ أياس بن أبي رملة الشامي قال : شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عيدين اجتمعا في يوم واحد ؟ قال : نعم قال : فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال : " من شاء أن يصلي فليصل " رواه أبو داود والإمام أحمد ولفظه : " من شاء أن يجمع فليجمع " ، وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون " رواه ابن ماجة وعن ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم نحو ذلك .
ولأن الجمعة إنما زادت عن الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد فأجزأه عن سماعها .
ثانيا : ولأن وقتهما واحد بما بيناه فسقطت إحداهما بالأخرى كالجمعة مع الظهر .
وما احتجوا به مخصوص بما رويناه وقياسهم منقوض بالظهر مع الجمعة فأما الإمام فلم تسقط عنه لقول النبي صلى الله عليه و سلم " وإنا مجمعون " ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه ومن يريدها ممن سقطت عنه بخلاف غيره من الناس .انتهى
قلت : وأما قول من قال بسقوط الجمعة والظهر فقوله ضعيف لا يعتمد على دليل صحيح .
وقال ابن عبد البر : وأما إذن عثمان لأهل العوالي وقوله قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان يعني الجمعة والعيد ، قال : فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له ؛
فقد اختلف العلماء في تأويل قول عثمان هذا واختلف الآثار في ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه و سلم واختلف العلماء في تأويلها والأخذ بها .
فذهب عطاء بن أبي رباح إلى أن شهود العيد يوم الجمعة يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريق الجمع وروي عنه أيضا أنه يجزيه وإن لم يصل غير صلاة العيد ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر وحكي ذلك عن ابن الزبير وهذا القول مهجور لأن الله عز و جل افترض صلاة الجمعة في يوم الجمعة على كل من في الأمصار من البالغين الذكور الأحرار فمن لم يكن بهذه الصفات ففرضه الظهر في وقتها فرضا مطلقا لم يختص به يوم عيد من غيره .
وقول عطاء هذا ذكره عبدالرزاق عن ابن جريج قال قال عطاء ابن أبي رباح إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما وليصلهما ركعتين فقط حين يصلي صلاة الفطر ثم هي هي حتى العصر ثم أخبرنا عند ذلك قال اجتمعا يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن ابن الزبير فقال ابن الزبير عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعا جعلهما واحدا فصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر لم يزد عليهما حتى صلى العصر .
قال : فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه قال ولقد أنكرت أنا ذلك عليه وصليت الظهر يومئذ قال حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا صليا كذلك واحدا .
وذكر عن محمد بن علي بن الحسين أنه أخبرهم أنهما كانا يجمعان إذا اجتمعا ورأى أنه وجده في كتاب لعلي زعم قال وأخبرني ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير في جمع ابن الزبير بينهما يوم جمع بينهما قال سمعنا في ذلك أن ابن عباس قال أصاب عيدان اجتمعا في يوم واحد .
قال أبو عمر : ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة وأي الأمرين كان فإن ذلك أمر متروك مهجور وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يسقط أحدهما بالآخر فكيف أن يسقط فرض لسنة حضرت في يومه هذا ما لا يشك في فساده ذو فهم وإن كان صلى مع صلاة الفطر ركعتين للجمعة فقد صلى الجمعة في غير وقتها عند أكثر الناس إلا أن هذا موضع قد اختلف فيه السلف فذهب قوم إلى أن وقت الجمعة صدر النهار وأنها صلاة عيد وقد مضى القول في ذلك في باب ابن شهاب عن عروة وذهب الجمهور إلى أن وقت الجمعة وقت الظهر وعلى هذا فقهاء الأمصار .
وأما القول الأول إن الجمعة تسقط بالعيد ولا تصلى ظهرا ولا جمعة فقول بين الفساد وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه لأن الله عز و جل يقول إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ولم يخص يوم عيد من غيره وأما الآثار المرفوعة في ذلك فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة وهذا محمول عند أهل العلم على وجهين أحدهما أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم ويصلون ظهرا .
والآخر أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية ومن لا تجب عليه الجمعة وسنذكر اختلاف الناس في ذلك وفيمن تجب عليه الجمعة في هذا الباب إن شاء الله تعالى . والله أعلم